أيضا مستقلاّ ، ولا يضرّ ذلك بالمستدلّ ؛ لجواز تعدّد العلل ، بل له في الجواب بيان استقلال كلّ من الوصفين. هذا إذا لم يتمسّك المستدلّ بعموم النصّ ، ولو تمسّك به وقال : دلّ الخبر على ربويّة كلّ مطعوم واعتبار كلّ تبديل ، كان مثبتا للحكم بالنصّ لا متمّما للقياس ، فيضيع قياسه. ولا يضرّه كون النصّ عامّا ما لم يتمسّك به.
واعلم أنّ الصحيح من هذه الأجوبة ما لا يبقى معه احتمال الجزئيّة ، فما بقي (١) معه احتمالها غير نافع للمستدلّ ؛ للزوم التحكّم. وكلّها إنّما يتأتّى على قواعد العامّة (٢) ، وأمّا عندنا فقد عرفت (٣) حقيقة الحال.
واعلم أنّه لا يكفي في جواب المعارضة إثبات الحكم في صورة دون وصف المعارضة ما لم يبيّن إلغاء وصف المعارضة ، أو استقلال وصفه (٤) بالعلّيّة ؛ إذ لا يلزم منه (٥) أحد من الأمرين ؛ لصحّة تعدّد العلل وعدم وجوب العكس ؛ ولجواز أن يكون الحكم بعلّة اخرى غير وصف المستدلّ ، سواء كان كلّ من الوصفين أو أحدهما جزءا لها أو لا.
ولعدم لزوم شيء من الأمرين من الصورة المذكورة لو أبدى المعترض فيها وصفا آخر يخلف وصف المعارضة ـ الذي ألغاه المستدلّ بزعمه بإثبات الحكم دونه ـ وبضمّه إلى وصف المستدلّ ، بطل الاستقلال ، وفسد الإلغاء ، ويسمّى هذا الإفساد تعدّد الوضع ؛ لتعدّد أصلي العلّة ووضعها ؛ فإنّ التعليل في أحد الأصلين بالباقي على وضع ـ أي مع قيد ـ وفي الآخر بالباقي على وضع آخر.
مثاله : أن يقال في أمان العبد للحربي : أمان من مسلم عاقل ، فيصحّ كالحرّ ؛ لأنّ الإسلام والعقل مظنّتان لإظهار مصالح الإيمان ، أي بذل الأمان ، فيعترض بالحرّيّة ، أي يقال : العلّة كونه مسلما ، عاقلا ، حرّا ؛ لأنّ الحرّيّة مظنّة الفراغ للنظر ، فيكون مصلحة الإيمان معه أكمل ، فيلغيها المستدلّ بالعبد المأذون من قبل سيّده في القتال ؛ لاستقلال الإسلام والعقل
__________________
(١) في « ب » : « يبقى ».
(٢) راجع : الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ٩٧ ـ ١٠٥ ، وإرشاد الفحول ٢ : ١٦٦.
(٣) ص ٥٦٣.
(٤) أي وصف المستدلّ.
(٥) أي إثبات الحكم في صورة.