كإطلاق الضارب على من انقضى عنه الضرب من دون طريان وصف ينافي الضرب. ومع الطريان ـ كإطلاق الأبيض على من زال عنه البياض وهو الآن أسود ـ فمجاز اتّفاقا.
وفي كلام بعض أصحابنا أنّ الخلاف فيما كان المشتقّ محكوما به ، كقولنا : زيد ضارب ، أو متكلّم ونحوه ، وأمّا إذا كان محكوما عليه ، كقوله تعالى : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي )(١) ، و ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ )(٢) و ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ )(٣) فحقيقة بلا كلام (٤).
وذكر بعض (٥) آخر أنّ النزاع في المشتقّ الذي بمعنى الحدوث ، كالضارب وأمثاله ، دون الذي بمعنى الثبوت ، كالمؤمن والكافر والحلو والحامض.
وقال بعض المتأخّرين : إنّ الإطلاق المذكور حقيقة إذا كان اتّصاف الذات بالمبدإ أكثريّا بحيث يكون عدم الاتّصاف مضمحلاّ في جنب الاتّصاف ، سواء كان المشتقّ محكوما عليه أو به ، وسواء طرأ الضدّ أو لا ، كالكاتب ، والخيّاط ، والقارئ ، والمعلّم ، والمتعلّم وأمثالها (٦).
والحقّ المذهب الأوّل ؛ لأنّ الضارب ـ مثلا ـ وضع في اللغة (٧) لمن ثبت له الضرب ، وهذا المفهوم شامل لمباشر الضرب ، ولمن ضرب وزال عنه الضرب ، فإخراج أحد الفردين منه تحكّم.
واستدلّ عليه أيضا ، بأنّ الإطلاق المذكور لو لم يكن حقيقة ، لما صدق مثل المتكلّم والمخبر على أحد حقيقة ؛ لأنّ الكلام مركّب من حروف متتالية ينقضي السابق منها بطريان اللاحق ، ولا شبهة في أنّ ماهيّة الكلام لا تتحقّق بحرف واحد ، بل بعدّة حروف ، وتحقّقها في آن واحد ممتنع ، فلا يتحقّق كلام أصلا ؛ لأنّه قبل حصولها لم يتحقّق ، وبعده قد انقضى (٨).
__________________
(١) النور (٢٤) : ٢.
(٢) المائدة (٥) : ٣٨.
(٣) التوبة (٩) : ٥.
(٤) تمهيد القواعد : ٨٥ ، القاعدة ١٩.
(٥) ذهب إليه شارح الشرح كما في شرح تجريد الاصول للنراقي الثاني ( مخطوط ).
(٦) قاله الفاضل التوني في الوافية : ٦٣.
(٧) راجع لسان العرب ٨ : ٣٥ ، « ض ر ب ».
(٨) راجع المحصول ١ : ٢٤٠.