وذهب الفرّاء إلى أنّها لا تفيد الترتيب مطلقا (١) ، واحتجّ بقوله تعالى : ( أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ )(٢).
والجواب أنّ الترتيب فيه ذكري ، أو التقدير : « أردنا إهلاكها » كما في كثير من نظائره.
وكيفيّة التفريع : أنّه إذا حلف رجل إن دخل الدار فتكلّم فعليه كذا ، فيشترط تقدّم الدخول على التكلّم ، وإذا قال : « بعتك بدرهم فدرهم » فعلى القاعدة يلزم بطلان البيع ؛ لأنّ الفاء تقتضي أن يثبت الأوّل قبل الثاني ، والثمن يثبت جميعه دفعة. ويمكن الحمل على التعقيب الذكري ، فينعقد البيع بدرهمين.
ثمّ إنّ بعض النحاة مصرّحون بأنّ الفاء الداخلة على خبر المبتدأ ـ نحو : الذي يأتيني فله كذا ـ تدلّ على الاستحقاق ، وحذفها لا يدلّ عليه (٣).
ويتفرّع عليه استحقاق الجعل وعدمه في حالتي اشتمال كلام المالك على الفاء وعدمها ، كما صرّح به بعض الأصحاب (٤).
وبعضهم قال بالاستحقاق في صورة عدم الفاء أيضا ؛ لدلالة العرف عليه مع قطع النظر عنها ؛ لأنّ الجعالة من العقود الجائزة التي يكتفى في ثبوتها بما دلّ عليها (٥). وهو حسن.
ووقع الخلاف بين النحاة في أنّ الفاء الجزائيّة ، نحو « من يأتيني (٦) فأكرمه » هل تدلّ على التعقيب ، أم لا؟ (٧)
وفرّع عليه العامّة استتابة المرتدّ وعدمه ؛ نظرا إلى قوله صلىاللهعليهوآله : « من بدّل دينه فاقتلوه » (٨) فإنّه لو كانت للتعقيب دلّت على قبول توبته ؛ لأنّه لا يتصوّر هنا فائدة للتعقيب إلاّ الأمر
__________________
(١) معاني القرآن ١ : ٣٧١.
(٢) الأعراف (٧) : ٤.
(٣) منهم ابن مالك في التسهيل : ٥١ ، وحكاه الشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٤٥٢ ، القاعدة ١٥٧.
(٤) منهم الشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٤٥٢ ، القاعدة ١٥٧. ولكنّه لم يستقرّ عليه ، بل احتمل الاجتزاء بدون الفاء لاستحقاق الجعل وقال : « هذا متّجه ».
(٥) هو مختار الشهيد الثاني أخيرا في المصدر.
(٦) كذا في النسختين. والصحيح : « من يأتني ».
(٧) راجع تمهيد القواعد : ٤٥٣ ، القاعدة ١٥٨.
(٨) الفردوس بمأثور الخطاب ٣ : ٥٢٧ ، ح ٥٦٤٧.