وتشاور معهم الرأي على ما ذا يكون أمرهم وأمر المغول.
وكان مما يروى عن على عليهالسلام في خطبته الزوراء انه قال عليهالسلام :
«الزوراء وما ادراك ما الزوراء ، ارض ذات أثل يشيّد فيها البنيان ، ويكثر فيها السكّان ، ويكون فيها مهازم وخزّان. يتّخذها ولد العبّاس موطنا ولزخرفهم مسكنا ، تكون لهم دار لهو ولعب ، ويكون بها الجور الجائر والخوف المخيف ، والأئمة الفجرة والأمراء الفسقة والوزراء الخونة ، تخدمهم أبناء فارس والروم ، لا يأتمرون بمعروف إذ عرفوه ولا يتناهون عن منكر إذا نكروه ، يكتفى منهم الرجال بالرجال والنساء بالنساء. فعند ذلك الغمّ الغميم والبكاء الطويل والويل والعويل لأهل الزوراء من سطوات الترك ، وهم قوم صغار الحدق ، وجوههم كالمجانّ المطرّقة ، لباسهم الحديد ، جرد مرد ، يقدمهم ملك ـ يأتي من حيث بدأ ملكهم ـ جهورىّ الصوت ، قوىّ الصّولة عالي الهمّة ، لا يمرّ بمدينة الا فتحها ، ولا ترفع عليه رأيه الا نكسها ، الويل لمن ناواه ، فلا يزال كذلك يظفر».
فلما رأوا هذه الأوصاف ووجدوها منطبقة على هولاكو والأتراك المغول معه ، رجوا أن يكون هو الغالب على أمر بني العباس ، فاستقر رأيهم على الخلاص من تلك الطامة الكبرى التي أظلتهم والمسلمين عامة ، وذلك بمكاتبة السلطان الفاتح هولاكو بأنهم سامعون مطيعون مطالبون للأمان ، دفعا لمعرّته وعبث جنوده. فكتبوا اليه بذلك وأرسلوه اليه على يد رجل من العجم عندهم. فقال هولاكو : إن كانت قلوبهم كما وردت كتبهم فليحضروا إلينا. وبعث إليهم بأميرين من أمرائه أحدهما يقال له : عقلاء الدين والآخر تكلمة ، فجاء الأميران إلى الحلة وبلّغا مقالة هولاكو الى المشايخ ، فقال الامام سديد الدين : إن جئت وحدي كفى؟ قال الأميران : نعم ، فأبدى استعداده للذهاب الى الدرگاه المغولى مع رسوليه ليفاوض السلطان بشأن بلاده وضمان سلامة أهله ومقدّساته على أن يضمن هو للسلطان الطاعة والتسليم.
فلما حضر عند السلطان قال هولاكو : كيف أقدمتم على مكاتبتي والحضور عندي قبل أن تعلموا ما يؤول إليه أمري وأمر صاحبكم؟! يقصد المستنصر بالله الخليفة العباسي إذ كان ذلك قبل قتله وفتح بغداد ، فقال الشيخ سديد الدين : انما أقدمنا على ذلك ما رويناه عن على عليهالسلام في خطبة الزوراء فقرأها عليه ثم قال : فلما وصف ذلك