بالذين تعنيهم فلسفة الاخلاقيين بقدر ما يعنيهم تدعيم دولتهم وتوطيد اركانها فالخارجون بأي الاسباب ومن اي الألوان لا يستحقون الا الحرمان والموت.
كل هذه الاسباب مجتمعة تركت اثرها في الهبوط بمستوى الثروات في الحجاز ، وساعد الاسراف في الترف ، والبذل في تجنيد الثائرين ، وجدب البلاد الطبيعي على ضعف الحياة فيه ثم ما لبثت ان جرته الى الفقر وادت به الى موارد الحاجة.
ولعل البقية الباقية من بيوت الترف وأصحاب الفنون ضاقت بالفاقة التي انقلب اليها الحجاز فتسللت في ارض الله بحثا وراء المتعة وسعيا الى التكسب فقد حدثنا صاحب الأغاني عن مشاهير كانوا يكتسبون بفنونهم في العراق منهم يحي المكي (١) وابن جامع (٢) ويزيد حوراء (٣) ودنانير (٤) ، وجميعهم مكيون هجروا بلادهم الى العراق ونقلوا اليها معهم فنونهم ويذكر صاحب الأغاني ان ابراهيم الموصلي (٥) وهو من أشهر المغنيين في العهد العباسي اخذ فنه عن رجل من أهل الحجاز وفي هذا ما يدل على مبلغ ما استفاده العراق من هجرة الحجازيين كما يدل على ان الهجرة بالفن الغنائى كانت امرا واقعيا دعت اليها حاجة المغنيين للتكسب.
__________________
(١) يحيى بن مرزوق المكي من الموالي ، أديب من المغنين المشهورين ، نشأ بمكة في العصر الاموي ، توفي سنة ٢٢٠ ه (الأعلام طبعة قديمة ج ٣ ص ١١٥٥).
(٢) المكي : مغن مشهور كان خبيرا بالألحان له أخبار مع الرشيد وأدباء زمانه. توفي حول سنة ١٨٧ ه (٨٠٩) م المنجد.
(٣) من الموالي كنيته أبو خالد : مغن من طبقة ابراهيم الموصلي ولد ونشأ بالمدينة ودخل العراق في عهد المهدي.
(٤) جارية يحيى البرمكي ، من اشهر المغنيات في القصر العباسي ماتت حول ١٩٣ ه (٨١٥) م الموسوعة الميسرة.
(٥) ابراهيم بن ميمون التميمي النديم الموصلي أوحد زمانه في الغناء واختراع الالحان. توفي سنة ١٨٨ ه (الاعلام طبعة قديمة ص ١٩)