هي ربح الدعاء فوق المنابر وبذلك ظلت مقدرات مكة وشؤون حكمها في نجوة ـ كما نعتقد ـ من التجاذب وظل جعفر يتمتع مدى حكمه باستقلاله بالحكم.
وقد نرى في بعض الأحاديث أن العباسيين مثلا أو الفاطميين يملون ارادتهم في شيء معين فيمضيه لهم جعفر ولكن ذلك لا يعدو أن يكون املاء مؤقتا تزول آثاره بزوال وقته ويبقى بعد ذلك أمر مكة مستقلا به صاحب مكة جعفر.
ويبدو ان مكة استفادت من هذا التجاذب الى حد لا بأس به كما استفاد صاحبها لأن ملوك الاسلام في هذه الفترة كانوا يتنافسون في البر بها وكان اذا حج أحدهم أو ذووهم أمعن في الظهور بما يرفع من قدره وغالى في أعمال الخير مغالاة يستفيد منها الأهالي في مكة فوائد لا حد لها.
حجت في سنة ٣٦٦ جميلة بنت ناصر الدولة في بغداد في قافلة تضم ٤٠٠ كجاوة لا يعلم احد في ايهن كانت لما عليهن من الزينة وكان معها عشرة الآف جمل عليها المؤونة والصدقات وقد زوجت كل علوي وعلوية (١) وهي لا تزوج العلويين الا لغرض خاص يرمي من ورائه الى التودد الى اشراف مكة وامرائها وقال المؤرخون عنها انها من ازهد الناس واعبدهم واجراهم دمعة وكانت تقوم نافلة الليل وتسمع العظات ونحن نقول ليت زهدها ارشدها الى الاقتصار من عدد «الكجاوات» وزينتها
__________________
(١) شفاء الغرام لتقي الدين الفاسي ٢ / ٢٢٢