وهكذا مضى عام ١١١٦ ونصف عام ١١١٧ ومسرح البلاد يعج بفتن المتسابقين الى الحكم ويصطخب بثوراتهم ويتعرض المسجد في تضاعيف ذلك الاشتباك بين المتقاتلين ويدوي رصاصهم فيه بين الاروقة وحول صحن الكعبة فيحول ذلك دون صلاة المصلين وتفترش جثت القتلى والمصابين ارضه.
وبعد بضعة ايام دعا الشريف عبد الكريم اشراف مكة الى الاجتماع بحضور المقاضي وخطب فقال ما معناه «اني ارى ان تكليف البلاد بما يلزم لنفقاتنا الفادحة كان سببا في هذه الفتن لهذا فاني أرى أن نأخذ اقسامنا في حدود الواردات ولا نطمع الى ما يرهق البلاد وأن نصيبي في ربع الواردات يكفيني واتباعي فاكتفوا بالأرباع الباقية ولا تطمحوا لغيرها واني على استعداد للتنازل لأي شخص يستطيع ان يقوم بمهمات البلاد اذا كان يكفيه أقل من ربع الواردات» فقبل الاشراف منه وسجل القاضي موافقتهم.
وبذل عبد الكريم جهده في تأمين السبل حتى أمنت وقد اعترض جماعة من هذيل (١) سير البريد في طريق جدة فأمر بأن يشنفوا وعلقوا بين المعلاة والمسعى وسوق الصغير وكان عددهم احد عشر شخصا (٢)
والذي يلفت النظر ان الأمراء الى هذا العهد كانوا يصدرون أحكامهم في مثل ذلك بدون مراجعة الباب العالي واعتقد انهم يستصدرون بذلك أمرا شرعيا من قاضي مكة وقد تغير الحال في العهد الذي يليه كما سيأتي.
واستقر امر عبد الكريم بعد ذلك شهرا ثم وافته الاخبار بان سعيدا هاجم
__________________
(١) اتحاف فضلاء الزمن للطبري المكى «مخطوط»
(٢) قبيلة لا زالت فى ديارها القديمة. انظرها فى (معجم قبائل الحجاز) (ع)