وروى راشد ، مولى حبيب بن أوس الثقفى (١) قال : حدثنى عمرو بن العاص (٢) قال : لمّا انصرفنا يوم الأحزاب نحو الخندق ، جمعت رجالا من قريش كانوا يرون برأيى ، ويسمعون منى ، فقلت لهم : تعلمون والله أنّى أرى أمر محمد يعلو الأمور علوّا كبيرا (٣).
وأنّى قد رأيت أمرا ، فما تأمرون فيه؟ قالوا : وما ذا رأيت؟ قال : رأيت أنّ ألحق بالنّجاشىّ (٤) ـ أو قال : نلحق بالنجاشى ـ فنكون عنده ، فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشى ، فإن نكون تحت يده أحبّ إلينا من أن نكون تحت يد محمد ، وإن ظهر قومنا فنحن من قد عرفوا بأن يأتينا منهم خير (٥). قالوا : إنّ هذا [هو](٦) الرأى .. قلت : فاجمعوا له أدما (٧) كثيرا ، فجمعوه ، فخرجنا حتى قدمنا عليه ، فو الله إنّا لعنده إذ جاء عمرو بن أميّة الضّمرىّ (٨) وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد بعثه (٩) إليه فى شأن جعفر والصحابة ، فدخل عليه ومعه كتابان (١٠) ، يدعوه فى أحدهما
__________________
(١) هو راشد بن جندل اليافعى ، محدّث مصرى ، روى عن مولاه حبيب بن أوس ، وعن أبى أيوب. فى بركة الطعام مع التسمية ، وروى عنه يزيد بن أبى حبيب .. وثّقه ابن حبّان. وقال : يروى المراسيل.
[انظر ميزان الاعتدال ج ٢ ص ٣٥ ، وحسن المحاضرة ج ١ ص ٢٦٧].
(٢) فى «م» و «ص» : «حدثنى .. من فيه» أى : من فمه شفاهة.
(٣) فى «م» : «علوّا منكرا».
(٤) فى «ص» : «رأيت بأن نلحق بالنجاشى» وستأتى.
(٥) فى «م» : «خيرا» خطأ ، والصواب ما أثبتناه.
(٦) ما بين المعقوفتين من عندنا.
(٧) فى «م» : «واجمعوا أدما» والأدم : الجلود المدبوغة ، وقد مرّت.
(٨) هو عمرو بن أميّة بن خويلد الضّمرىّ ، صحابىّ ، أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة ، ثم هاجر إلى المدينة ، وأول مشاهده «بئر معونة» .. وأرسله رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى النجاشىّ يدعوه إلى الإسلام سنة ستّ ، وكتب على يده كتابا ، فأسلم النجاشىّ ، وأمره أن يزوّجه أمّ حبيبة ويرسلها ويرسل من عنده من المسلمين .. وعاش عمرو بن أمية أيام الخلفاء الراشدين ، وشهد وقائع كثيرة علت بها شهرته. وكانت وفاته بالمدينة فى خلافة معاوية ، نحو سنة ٥٥ ه.
[انظر الأعلام ج ٥ ص ٧٣ ، وأسد الغابة ج ٤ ص ١٩٣ و ١٩٤].
(٩) فى «م» : «وكان دعاه رسول الله وبعثه».
(١٠) فى «م» : «كتابين» خطأ فى اللغة ، والصواب ما أثبتناه. ومن قوله : «ومعه كتابان ..»