من تألّف الهموم؟ أين خدّامه الصّيام؟ أين عمّاله القيام (١)؟ أين من ذاق ما أصف؟ أين من جدّ ملتهف (٢) ، أين من كان ذكره غذاه ، أين من قلبه مرآه؟ أين من بان واستبان؟ يا ذا النّون ، فلو رأيتهم وقد أخرجهم بعد ما أحسن تقويمهم ، وأجلسهم على كراسى الأطبّاء وأهل المعرفة ، وجعل تلامذتهم أهل الورع والتّقى ، وضمن لهم الإجابة عند النداء ، ثم قال لهم : يا أوليائى وأهل صفوتى ، إن أتاكم عليل فداووه ، أو فارّ منّى فردّوه ، أو آيس من رحمتى وفضلى فعدوه ، أو مبارز لى بالمعاصى فنادوه ، أو مستوصف نحوى فدلّوه ، أو خائف منّى فأمّنوه ، أو مسىء بعد إحسان فرغّبوه ، أو من جنا (٣) جناية وحزن فسرّوه ، وإن وهبت لكم هبة فشاطروه .. ويا أهل صفوتى من خلقى لا يفزعنّكم صوت جبّار دونى ، ولا مخلوق من خلقى.
إنه من أراد بكم سوءا (٤) قصمته ، ومن آذاكم (٥) أهلكته ، ومن عاداكم عاديته ، ومن أحبّكم (٦) أحببته.
فلما نظر القوم إلى حسن لطفه بهم اجتهدوا غاية الاجتهاد (٧) ، وألفت الجوارح منهم المسارعة إلى مرضاته ، والمبادرة إلى خدمته (٨) ، وأسقطت
__________________
(١) قوله : «أين عمّاله القيام» عن «ص» .. وفى الكواكب السيارة : «أين من عمله القيام». والصّيام : جمع صائم.
(٢) أى : أين من هو شديد اللهفة وجادّ فى عبادته لله سبحانه وتعالى.
(٣) فى «م» : «أوجنا».
(٤) فى «ص» : «من أرادكم بمكروه».
(٥) فى الكواكب السيارة : «أذلّكم».
(٦) فى «م» و «ص» : «ومن أحبّكم فىّ». وما هنا عن الكواكب السيارة.
(٧) فى المصدر السابق : اجتهدوا غاية الاجتهاد فى خدمته».
(٨) فى المصدر الأسبق : «إلى طاعته».