قال : فتكلّم بما لم أسمعه ، ثم تناول ترابا دقيقا (١) من مجرى الباب فشدّه فى كاغدة (٢) ورمى بها إلىّ وقال : قل له يبخرها بهذا.
قال : فأخذها الرجل ومضى ، ثم عاد فى اليوم الثانى وقال : لا أخلى الله هذه البلدة من هذا الرجل ، ما هو إلّا أن بخّرت أمّى بالورقة حتى راقت (٣) وزال ألمها!
ثم طلب منه بخورا ، فقال : يا بنّى ، من أين أعطيك؟ إنما اجتهدت لها فى الدعاء.
وأخبرنا أبو جعفر محمد قال : حدّثنى الوليد الهاشمى قال : ذكر لى أنّ رجلا كان له على إنسان مال بوثيقة ، وهو مائة دينار ، إلى أجل ، فلما مضى الأجل طلب الرجل الوثيقة فلم يجدها ، فجاء إلى أبى الحسن بنان وسأله الدعاء.
فقال : أنا رجل قد كبرت ، وأنا أحبّ الحلوى ، فاذهب فاشتر لى رطلا وأتنى به حتى أدعو لك (٤).
فذهب الرجل واشترى له ذلك ، ثم جاء به ، فقال له بنان : افتح القرطاس ، ففتح القرطاس فإذا هى الوثيقة. فقال له : يا أستاذ ، هذه هى الوثيقة (٥)! فقال : خذها ، وأطعم صبيانك الحلوى (٦).
وحكى بعض المشايخ عن أبى علىّ الرّوذبارىّ الصّوفى قال : كنت يوما فى داخل الحمّام إذ دخل علىّ رسول يونس الخادم ، غلام الخليفة ، وكان الخليفة
__________________
(١) أى : ترابا ناعما.
(٢) فى «م» : «كاغضة» تحريف من الناسخ .. ومعنى شدّه فى كاغدة ، أى : صرّه فى قرطاس كالصّرّة.
(٣) فى «م» : «فراقت» أى : شفيت من مرضها.
(٤) هكذا العبارة فى شذرات الذهب ج ٢ ص ٢٧٢. وفى «م» : «أنا أحب الحلاوة والبرطيل فاذهب إلى وخذ لى معقودا وأتنى به حتى أدعو لك».
(٥) فى «م» : «هذه الوثيقة».
(٦) فى «م» : «وأطعم المعقود لصغارك ، مع السلامة» [انظر هذه القصة فى سير أعلام النبلاء ج ١٤ ص ٤٨٩ و ٤٩٠ ، وشذرات الذهب ج ٢ ص ٢٧٢ ، وحسن المحاضرة ج ١ ص ٥١٣].