قال : فخرجت مسافرا حتى جئت إلى دينور ، فسألت عنه ، فقيل لى إنه بدكّان أبيه ، فجئت إليه ، فإذا أنا بغلام عليه هيبة ووقار ، وهو فى خدمة أبيه بين يديه فى الدّكّان ، وهو يعمل الصنعة ، قال : فوقفت قليلا ، فدفع له والده لحما وقال : امض بهذا إلى أمّك. قال : فأخذ اللّحم وذهب ، وقد أخذ بمجامع قلبى ، فذهبت معه ، فمرّ برجل يوقد نارا وهو يؤرّثها (١) بالحطب الصّغار ، ثم بعد ذلك أوقدها بالحطب الكبار ، فوقف أبو الحسن طويلا ونظر إليه ، وبكى بكاء شديدا ، فجئت إليه وقلت له : ممّ تبكى يا بنىّ؟ فقال : «يا عم ، أما تنظر إلى ما فعل هذا الرجل وهو يوقد النار بالحطب الصّغار قبل الكبار؟! فربما يكون ذلك فى نار الآخرة ، وأكون أنا منهم! فأبكانى ذلك» ، فقلت : لله درّك ، ما أخوفك من ربّك!
وسار ، وسرت خلفه ، [وحين سمع] أذان المؤذّن (٢) بالظّهر وهو يقول : «حىّ على الفلاح» قال (٣) : لبيك داعى الله ، ثم ترك اللّحم ، فقلت فى نفسى : أما خاف من كلب يأتى فيأخذ اللحم؟
ثم وقفت أنظر إلى ما يقع فى اللحم ، فإذا أنا بكلب قد جاء مسرعا إلى أن وقف يحرس اللّحم ، فلما انقضت الصّلاة خرج وأخذ اللّحم وانصرف ، فتبعته إلى منزله ، فدخل منزلا عظيما وغاب ساعة ، ثم خرج ووجهه مشرق ، فقلت له : ما اسمك يا حبيبى؟ فقال لى : أما تعرفنى؟ أنا أبو الحسن الذي رأيته فى منامك. فقلت له : حبيبى ، مثلك من يصلح للعبادة. ثم ودّعته (٤) وتوجهت.
__________________
(١) يورّثها : يوقدها ويشعلها.
(٢) ما بين المعقوفتين زيادة من عندنا لاستقامة المعنى. وفى «م» : «أذان المؤذنون» لا تصح بهذه الصورة.
(٣) فى «م» : «فقال».
(٤) فى «م» : «دعوته» تحريف ، وما أثبتناه هو الصواب.