الناس يعملون. ونا يبدو من اعتراض عمر وسخطه الى حد ضرب «أبي هريرة» ـ وهو البريء ـ ذلك الضرب المبرح ، بأن الرسول كان جاهلاً بعواقب هذا الحديث الذي بعث «أبا هريرة» لتبليغه للناس ، وان عمر أدرى بالعواقب من رسول الله.
وتعليقاً على هذه الحادثة ، حاول بعض علماء الجمهور تبرير موقف عمر من ردّ حديث النبي صلىاللهعليهوآله الذي بعثه مع أبي هريرة في تبشير المؤمنين بالجنة ، قائلاً : إن عمراً في هذه الواقعة لم يكن معترضاً على رسول الله أو راداً عليه ، ولكنه خشي إتكال المؤمنين على هذه البشرى إذا بلغتهم ، وتركهم العمل ، فرأى ان كتمها عنهم ، أصلح لهم ، وأعود عليهم بالخير من إبلاغهم إياها. وهذا ما دعاه الى ضرب «أبي هريرة» ، وإرجاعه وهو الذي حمله على القول لرسول الله أن لا يفعل ، نهياً له عما كان قد اصدر أمره به من تبشير المؤمنين بالجنة (١).
وهناك عالم آخر أكثر جرأة ، اعتبر حديث «أبي هريرة» في هذه الواقعة ، دليلاً على ان الامام والكبير مطلقاً اذا رأى شيئاً ، ورأى بعض أتباعه خلافه ، ينبغي أن يعرضه على المتبوع لينظر فيه ، فإن ظهر له ان ما قاله التابع هو الصواب ، رجع المتبوع اليه ، وإلا بيّن للتابع جواب الشبهة التي عرضت له (٢).
ومن حقّنا التساؤل : هل يحق لعلماء السُنّة ، تبرير موقف عمر من اعتراضه على أوامر الرسول صلىاللهعليهوآله والتشكيك في عصمته وقدسيته ، واعتباره رجلاً عادياً يخطأ كما يخطأ الآخرون ، وينبغي تصحيح وصاياه وأوامره ونواهيه؟ لأن عمر بن الخطاب في هذه المواقف والممارسات ، انما كان يشخّص ما هو الاصلح والاعود بالخير على المسلمين من
__________________
(١) شرح صحيح مسلم ، النووي ١ : ٤٠٤ المطبوع في هاشم شرحي البخاري ـ ارشاد الساري وتحفة الباري.
(٢) صحيح البخاري ، في الجنائز ، باب الكفن في القميص ؛ صحيح الترمذي ٢ : ١٠٠ ؛ فتح الباري ١ : ٤٢٣.