الاوساط التي تتجنّبه قد الامكان ، لأن إطلاق لفظة الطلاق إنما تتم في الغالب بصورة إنفعالية فُجائية ، ولذلك أمر الله تعالى أن يكون الطلاق رجعياً ، مرتين ثم يأتي الحل الأخير وهو الطلاق الدائم ، أما إذا سمح الشارع المقدّس بأن تكون لفظة الطلاق الثلاث ، طلاقاً بائناً بلفظة واحدة ، فلا يتوافر هناك مجال للندم والمراجعة وهكذا كان الأمر ، فالناس لم يكونوا قد امتثلوا للنص الجديد الذي فرضه عمر على المسلمين ، إذ أصبحوا يحلّلون المُبانة لمطلقها بالثلاث ، بدلاً بدلاً من التحريم كما أراد عمر ، ونستغرب هنا كيف ان الحالة التي رآها عمر في عهده قد انتفت بحيث ان ابن تيمية يتمنى لو ان عمر بن الخطاب قد تراجع عن فتواه بعد ان عبث المسلمون بأمر الطلاق؟
٣ ـ لا يحق لأي مسلم مهما كانت منزلته الدينية والعلمية ، أن يتجاوز النص الالهي متعلّلاً بتساهل المجتمع في تطبيقه ، أو لا يراعيه حق رعايته ، فيسارع الى ابتداع نص من عنده ، ليردع الناس من خلاله ، وإلا لو فسح المجال للعلماء في ابتداع النصوص الموضوعة مقابل النصوص الالهية ، فسيكون من حقهم ان يحرّموا الزواج مثلاً ، لأن مشاكل كثيرة تحدث بين الازواج والزوجات ، بحيث تكون حياتهم الزوجية ، بدلاً من ان تتخلّلها المودة والرحمة ، تتحول الى حياة لا تطاق.
ولاشك ان العيْب لا يكمن في النص الشرعي ، وانما في سوء استخدام النص أو الحكم الشرعي القطعي كما يريده الله تعالى ، ولذا فإن حلولاً وضعها الشرع في حال استفحال المشاكل الزوجية ، لا ان يُلغى الزواج لحل المشكلة.
وعليه فإن الخليفة الثاني كان مخطئاً في خطوته تلك التي تنبّه لها أمثال ابن قيم الجوزية وأستاذه ابن تيمية ، وخشيا أن يتّهما الخليفة عمر وهو المقدّس لديهما ، فحاولا تبرير فعلته اللامشروعة بمختلف الذرائع الواهية.