الخليفة الثاني ... بين العلم والفقاهة
هل كان عمر بن الخطاب عالماً بالسُنّة والأحكام الشرعية ... مُحدَّثاً ... مكلّماً ... مفتياً ، كما يعتقد أهل السُنّة ويشيعون عنه ، أم أنّه كان يجهل في أكثر الاحيان ولا يعلم من المسائل الدينية حتى البسيط منها؟ سنحاول هنا التحقق من صحة ادعاءات أصحاب المدرسة السُنّية حول خبرة الخليفة عمر القرآنية والعلمية والفقهية ، ومدى تبحّره في الاحكام الشرعية.
يستوقفنا في هذا المجال ، ردّ فعل عمر من وفاة الرسول ، فقد اتخذ موقفاً سلبياً للغاية من الأنباء التي تحدّثت عن موته صلىاللهعليهوآله ، إذ هدّد القائلين بوفاة رسول الله بضرب رؤوسهم بسيفه ، لأنه صلىاللهعليهوآله لم يمت وانما ذهب الى السماء ، وعندما قرأ عليه أبو بكر ، الآية القرآنية : وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ... (١) ، تراجع عمر عن قوله وتهديداته (٢). كيف ـ يا تُرى ـ غاب عن عمر أن الرسول يموت كغيره من الرّسل والانبياء ، بل والناس أجمعين ، كما أن الآيات القرآنية صريحة في هذا الشأن ، كقوله تعالى : إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (٣).
والمُستغرب ان المسلمين من أهل المدينة وغيرهم ، لم ينكروا خبر وفاة الرسول لأنه إنسان ، ومن الطبيعي أن تنطبق عليه السنن الالهية والطبيعية كغيره من بني آدم ، كما ان القرآن الكريم أخبرهم بذلك ، والرسول نفسه قد أوصى مراراً بأنه سيموت ، وكان
__________________
(١) آل عمران ١٤٤.
(٢) تأريخ المختصر في اخبار البشر ، أبو الفداء ١ : ١٥٦ ؛ الطبقات ـ ابن سعد ٢ : ٥٤.
(٣) الزمر ٣٠.