من التحقيق في الأمر والتنقيب عن الاسباب التي أدت الى تعطيل العمل بكتاب الله ، وذلك تطبيقاً لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حاول عمر تمييع القضية ، وان هؤلاء المحتجين يحاولون تكليف الخليفة فيما لا يطيقه ، وان القرآن الكريم يؤكد ان المهم هو اجتناب الكبائر فحسب ، وان الله يغفر السيئات ، ويدخل المؤمنين مدخلاً كريماً.
ثم قال الخليفة عمر بأنه لو علم أهل المدينة بالأمر لنكّل بهؤلاء الوافدين ليجعلهم عبرة للآخرين (١).
ولسنا نعلم ما الداعي للتنكيل بالوفد المصري الذي كان يجب أن يحظى أعضاؤه بالشكر والتكريم على اهتمامهم بالقرآن الكريم وضرورة تطبيق تعاليمه على المجتمع ، بدلاً من عقابهم فيما لو اذاعوا الخبر في أوساط أهل المدينة ، ولماذا التعتيم ـ أصلاً ـ على أمر مهم وهو الاستخفاف بالاوامر القرآنية؟ ثم من قال بأن هذه الأمور المعطّلة من كتاب الله ، لا تتعلق بالكبائر التي أشارت إليها الآية القرآنية التي استشهد بها الخليفة؟ ثم أليس الخليفة وأمير المؤمنين مُؤتَمناً على الدين وهو الخليفة الراشد الثاني؟ فكيف يعالج مثل هذه الأمور بالتواني والتهرّب من مواجهة المشكلة وتمييعها بالشكل الذي جرى مع الوفد المصري؟ أما كان على عمر أن يستشير ـ كما هي عادته ـ الصحابة من حوله لاستكشاف الحل المناسب؟
عمر ومنع التحدّث بالسُنّة النبوية أو كتابتها
الحديث النبوي ، أفضل ما ترك الرسول صلىاللهعليهوآله ، فضلاً عن القرآن الكريم ، بعد رحيله الى البارئ الأعلى ، والقرآن الكريم كما هو معروف ، نزل في أكثر آياته مجملاً غير مفصَّل ، وهو بحاجة الى شرح وتفسير وتأويل حتى يتمكّن المسلمون من فهمه
__________________
(١) تفسير ابن كثير ١ : ٤٩٧.