ومع ذلك فقد بدا لعمر بن الخطاب ـ فجأة ـ أن يدوّن السُنّة النبوية ، فاستفتى أصحاب الرسول صلىاللهعليهوآله في ذلك ، فاستشارهم فأشاروا عليه بكتابتها ، لكنه قال بأنه كان يريد كتابة السُنّة ، وتذكّر قوماً من أهل الكتاب ، كتبوا كتباً فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله ، وانه أقسم أن لا يشوب كتاب الله بشيء أبداً (١) ، ثم ان الخليفة الثاني أمر رعاياه في الأمصار بأن من كان عنده شيء من الحديث فليمحه (٢) ، وكان أمره بالمنع متشدّداً لا يقبل التساهل.
والخطوة الثانية التي أقدم عليها عمر ، هي أن أمر الناس بإتيانه بالاحاديث المدوّنة لديهم ، فأمر بحرقها ، وذلك حينما علم بأن الاحاديث قد كثرت في عهده ، قائلاً : مثناة كمثناة أهل الكتاب ... ، فإستجاب الناس وامتنعوا عن كتابة الاحاديث النبوية (٣) ، وذلك لأن الأوامر كانت حاسمة في المنع.
وكان عمر في تبريره للمنع حسب رأيه ان تدوين الحديث النبوي يؤدي الى تحقيق أمنية أهل الكتاب ، وكلمة مثناة أو مشناة ، انما هو مصطلح يهودي عبّروا به عن التوراة المبدّلة المحرّفة (٤).
ويعني الخليفة الثاني بأن تدوين الحديث النبوي سيُسهم في تحريف وتشويه القرآن الكريم من خلال الخلط والمزج بني الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، وان الاحاديث النبوية ربما تتسلل الى كتاب الله من حيث لا يعلم المسلمون ، وسيصبح القرآن محرّفاً على أثر ذلك كما حدث لكتب أهل الكتاب.
__________________
(١) جامع بيان العلم وفضله ـ يوسف النمري القرطبي : ٦٤ و٦٥.
(٢) كنز العمال ١٠ : ٢٩٢ / ٢٩٤٧٦ ؛ كتاب العلم : ١١.
(٣) الطبقات الكبرى ـ ابن سعد : ١٨٨ ؛ تأريخ الاسلام ـ الذهبي : ٢٢١.
(٤) تقييد العلم : ٥٢ ؛ دلائل النبوة ـ ابن نعيم : ٨٣٦ ذيل رقم ٨٢٤.