مع ان اليهود مثلاً ، لديهم التوراة التي حُرّفت من قبل رجال دينهم بما تشتهي أنفسهم ، أما التلمود فهو عبارة عن مجموعة نصائح ووصايا النبي موسى عليهالسلام وليس فيه من التوراة شيء ، وأما الانجيل فقصته تختلف عن التوراة ، إذ ان هناك ـ كما هو مشهور ـ أربعة أناجيل ، دوّنتها مجموعة من (حواري) أتباع السيد المسيح بعد صعوده الى السماء بأربعين عاماً ، كُل حسب ذوقه ورؤيته ، ولذلك فهي تختلف فيما بينها اختلافاً واضحاً وتسمّى باللاهوت ، فيما كان الفقه المسيحي مدوّناً بصورة منفصلة ويُسمّى عند النصارى بالناسوت.
ولسنا نعلم ، ما العلاقة بين تدوين السٌنّة النبوية والقرآن الكريم ، الذي صانه الله من الضياع والتحريف ، وهو المدوّن والمجموع في عهد الرسول كما يشهد المؤرخون؟
فلماذا الخوف إذاً؟ ولِمَ أشار الصحابة على عمر بتدوين الحديث؟ ولم يخشوا على القرآن الكريم من التحريف كما خشي عمر؟ خاصة وان الكثير منهم جمعوا القرآن بأيديهم ، ومنهم العديد من حفّاظ القرآن الكريم ، ويدركون بأن تدوين الحديث ال نبوي هو الخطوة الصحيحة التي تحول دون ضياع الحديث واندثاره ، وخاصة ان الحفّاظ ربما ينسون الحديث المحفوظ في صدورهم بمرور الزمن ، وهم معرّضون للكبر والشيخوخة والخَرَف والموت أيضاً.
ولم يقتصر الخليفة الثاني على منع تدوين الحديث بل وأمر بعدم التحدّث بحديث رسول الله أيضاً ، والتقليل منه قدر الامكان.
فقد دعا عمر الى إقلال الرواية عن رسول الله ، عمّا لا يفيد حُكماً ولا سُنّة ، إلا فيما يُعمل به ، أي السُنّة العملية (١). ومن الغريب أن يمنع عمر التحدث بالحديث النبوي
__________________
(١) جامع بيان العلم ٢ : ١٢١.