باستثناء السُنّة العملية ، فهل من المعقول قد أدلى النبي بأحاديث كثيرة في مجالات متنوعة عبثاً ولا تفيد المسلمين؟ أم كل أحاديثه ذات فائدة عظيمة ، ولابد من الاستفادة منها ، فلماذا يُحرَم المسلمون من أريجها الفواح؟
ثم إذا خشي الخليفة الثاني من الكذب على رسول الله ، فإن الذين يكذّبون على الرسول من الرواة ، لا يفرّقون بين أحاديث الاحكام الشرعية والفرائض الواجبة ، وبين احاديث الفضائل والأخلاق والتربية ، بل ربما كان المنافقون والمندسون من أهل الكتاب ، يحبّذون تحريف أحاديث العقائد والتشريعات الاسلامية المتضمنة للأحكام والفرائض على الأحاديث الأخرى ، بغية بث الاختلاف والفرقة بين المسلمين؟ ثم إذا كان ال صحابة كلهم عدولاً كما يزعم أهل السُنّة والجماعة ، فلِمَ اتخذ عمر بن الخطاب موقفاً حذراً منهم ، وأمرهم بالاقلال من الحديث النبوي.
ولم يقف الخليفة الثاني عند هذا الحدّ في منع انتشار الحديث النبوي ، بل أمر الذين يغادرون المدينة الى الأمصار ، بالتقليل من التحدث عن رسول الله حتى لا يعيقون أو يشوشون على الذين يتلون القرآن الكريم ولهم دوي كدويّ النحل ، ثم أمر هؤلاء الصحابة بالعودة الى المدينة ، وحبسهم فيها حتى مات. وهؤلاء الصحابة ليسوا من الصحابة العاديين ، وانما هم من كبار الصحابة وأجلّتهم ، كابن مسعود وأبي مسعود الانصاري وأبي الدرداء وحذيفة بن اليمان وأبي ذر الغفاري وغيرهم ، وهؤلاء الصحابة الادلّاء ، هم الذين سجنهم عمر في المدينة لأنهم يكثرون الحديث عن رسول الله (١).
وهنا نتساءل :
١ ـ هؤلاء الصحابة كانوا من الملازمين للنبي صلىاللهعليهوآله والمقرّبين إليه ، ولابد انهم
__________________
(١) الكامل ـ ابن عدي ١ : ٤ ؛ تأريخ الاسلام ١٨ : ١٧٣ ؛ مجمع الزوائد ١ : ١٤٩.