الخطاب ، أطلق سراح الصحابة الذين حجزهم عمر في المدينة (١). وهنا نتساءل مرّة أخرى ، إذا كان هؤلاء الصحابة الكبار ومن ضمنهم «أبو هريرة» قد منعهم عمر من التحدّث عن رسول الله وشدّد النطاق عليهم ، ومنعهم من السفر الى الأقاليم الاسلامية الأخرى حتى لا يتحدثون بأحاديث عن رسول الله ، ربما يشوبها الكذب وعدم الصحة ، فلماذا أطلقهم الخليفة عثمان؟ ليسيحوا في الارض ويتحدثوا كما يشتهون؟
ولاشك ان مخاوف عمر لم تتبدد في موته أبداً سوى ان سوطه الذي كان يخشاه «أبو هريرة» وأمثاله في زمن عمر قد زال مع موت الخليفة ، وأخذ يتحدث كيفما يهوى ويشاء في عهد عثمان ، مما يدلّ على تساهل الخليفة الثالث ، فهل كان الخليفة الثاني خاطئاً في تشديده وتضييقه على الصحابة ، أم الخطأ كان من جانب الخليفة عثمان؟
وأخيراً فإن قصد الخليفة عمر كما يبدو ، منع تدوين الحديث النبوي والتحدّث به ، لا الاقلال منه فقط ، وهو ما نستشفه من قوله الحاسم : «لا كتاب مع كتاب الله» ، وقوله : «ان من كتب حديثاً فليمحه» ، أو قوله : بأنكم لتأتون بلدة لأهلها دوي كدوي النحل فلا تصدّوهم بالاحاديث عن رسول الله لتشغلوهم (٢). فالخليفة الثاني انما يقصد هنا ، منع الحديث النبوي ككل من سريانه في المجتمع الاسلامي ، وأن لا يحق لأحد أن يدوّن حديثاً الى جانب القرآن الكريم.
ونحن نعجب ممن يدّعي بأن عمر كان شديداً على مَنْ أكثر الرواية ، أو أ ن يأتي بخبر في الحكم لا شاهد عليه ، ولذلك كان يأمرهم بأن يقلّوا الرواية ، ويريد بذلك أن لا يتسع الناس فيها ، ويدخلها الشوب ويقع التدليس والكذب من المنافق
__________________
(١) العواصم من القواصم ـ ابو بكر بن العربي : ٧٥ و٧٦.
(٢) المستدرك على الصحيحين ـ الحاكم النيسابوري ١ : ١٠٢ ؛ جامع بيان العلم وفضله ـ ابن عبد البر ٢ : ١٢٠.