أبو يوسف على خطى أستاذه
لم يطع أبو يوسف استاذه أبا حنيفة عندما نصحه بعدم كتابة كل ما يسمعه منه ، لأن أحكامه وفتاواه تتغير باستمرار ولا تعرف الثبات ، بينما يقول أبو يوسف انه لم يخالف أبا حنيفة في آرائه أبداً وانما إذا اصدر حكماً مخالفاً لحكم أبي حنيفة في الموضوع نفسه ، فإنما هو حكم سابق لاستاذه كان أصدره ثم رغب عنه. بمعنى ان ابا يوسف يستنسخ آراء استاذه جملة وتفصيلاً.
غير ان أبا يوسف القاضي تمرّد على تعاليم استاذه أبي حنيفة حين أخذ يفتي للسلطان بلا حساب ، بعد أن أصبح قاضياً لبني العباس ، نفقد أفتى لزبيدة زوجة الرشيد بما تحب وترغب ، فجازته خير جزاء ، وبعثت له أموالاً وموادَ نفيسة مقابل فتاواه وأحكامه. وصلّى هارون الرشيد ـ مرة ـ إماماً وقد احتجم ، فصلى الامام أبو يوسف خلفه ، ولم يُعد الصلاة مع ان الحجامة عنده تنقض الوضوء (١).
ولم يتورع أبو يوسف القاضي ان يقول في أستاذه : ان أبا حنيفة كان مُرجئاً جهمياً حتى مات على ذلك ، فقيل له : فأين أنت منه؟ قال : إنما كان مدرّساً ، فما كان من قوله حسناً قبلناه ، وإن كان قبيحاً تركناه (٢).
موقف مالك من أبي حنيفة
ويكشف مالك بن أنس عن حقيقة ابي حنيفة بالقول : لو خرج على هذه الأمّة بالسيف كان أهون ، اببا حنيفة كَادَ الدين ، ومن كَادَ الدين فليس له دين (٣). وما ينبغي
__________________
(١) أدب الاختلاف : ١١٨.
(٢) تأريخ بغداد ـ الخطيب البغدادي ١٣ : ٣٧٢.
(٣) المصدر السابق ١٣ : ٤٠١.