أرسلك اني لا علم لي بها. فقال الرجل : ومن يعلمُها؟ قال مالك : من علّمه الله ، قالت الملائكة : لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١) (٢).
ويُبرّر مالك بن أنس عجزه عن الجواب ، بقوله : كان رسول الله ، إمام المسلمين وسيّد العالمين ، يُسأل عن الشيء فلا يجيب حتى يأتيه الوحي من السماء ، فاذا كان رسول رب العالمين لا يجيب إلا بالوحي ، فمن الجرأة العظيمة ، إجابة من أجاب برأيه ، أو بقياس ، أو تقليد من يحسن به الظن ، أو عُرْف أو سياسة أو ذوق ، أو كشف أو منام ، أو استحسان أو خرص (٣).
وقال مالك ذات يوم : أفكلما جاءنا رجل ، تركنا ما نزل جبرئيل على محمد صلىاللهعليهوآله لجدله (٤).
ونحن نستغرب كثيراً ، كيف يُبرّر مالك عجزه عن الاجابة بهذه الاعذار اللامسؤولة؟ فهو تارة يزعم بأن الذي يعلم الجواب عن الاسئلة هي الملائكة التي يعلّمها الله ، وطوراً يقول : أفكلما جاءه رجل ليحاوره ، يترك الشرع الاسلامي لجدله ، وحيناً يدّعي بأن الرسول وهو إمام المسلمين وسيّد العالمين ومع ذلك فهو لا يجيب حتى يأتيه الوحي من السماء ، فمن الجرأة أن يجيب أحداً برأيه أو بقاس أو بإحدى الوسائل التي وصفها هو والفقهاء الآخرون لاستنباط الأحكام. تُرى هل ان الله تعالى كلّف الملائكة بالاجابة عن أسئلة الحياري من المسلمين؟ خاصة في الامور التكليفية ، أم ان
__________________
(١) البقرة ٣٢.
(٢) أدب الاختلاف : ١٢٧.
(٣) إعلام الموقعين ـ ابن قيم الجوزية ١ : ٢٥٦ ؛ طبع دار الجبل.
(٤) أدب ال اختلاف : ٩٥.