وسمعوا أحاديث ، ورووا روايات ، وأخذ كل قوم بما سبق اليهم وعلموا به ، ودانوا من اختلاف أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله وغيرهم ، وانّ ردّهم عمّا اعتقدوا به ، غير ممكن. وطلب الامام مالك من الخليفة المنصور أن يدَعْ الناس وما هم عليه ، وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم (١). وبعبارة أخرى طلب مالك من المنصور أن لا يحمّل الناس على العمل بالموطأ ، وانما يجب العمل بأحاديث الآحاد على من وثق بها رواية ودلالة ، وعلى من وثق برواية أحد وفهْمه لشيء منها أن يأخذ عنه ، ولكن لا يجد ذلك تشريعاً عاماً (٢).
وفي تصريحاته تلك ، يقرّ الامام مالك بحدوث اختلافات فقهية شديدة بين علماء الامصار المختلفة وفقهائهم ، وانهم قد تبنّوا أحاديث نبوية صدّقوها ووثقوا بها ، وطبّقوا مدلولاتها جيلاً بعد جيل ، ومن البعيد أن يتخلّوا عن قناعاتهم لاستيعاب ما توصّل إليه في الموطأ من أحاديث وآراء. وهذا إن دلّ على شيء فانما يدلّ على على أن ما دوّنه مالك في الموطأ إنما هو قناعات وانطباعات شخصية له ، من المحتمل أن يستسيغها بعض العلماء ، ويرفضها البعض الآخر ، ومن الخطأ تحميل الكل عليها ، لعلمه ـ أي مالك ـ بأن الموطأ ليس كتاباً مقدّساً أو ما يقارب ذلك ، وليس كتاباً يخلو من الأخطاء كما يزعم العديد من أتباع المذهب المالكي. بل ان من علماء السُنّة والجماعة يقول بأن مالكاً وضع في الموطأ ، نحو عشرة آلاف حديث ، ولم يزل ينظر فيه كل سنة ، ويحذف منه شيئاً فشيئاً حتى بقي نحو ٥٠٠ حديث ، ولو بقي حياً لحذفه كلياً ، والمتبقي من الموطّأ يحوي ثلاثمائة حديث مرسل ، وهذا المقدار يُعتبر أكثر من نصف مسانيده (٣).
والغريب ان عدد النسخ المنقولة عن الامام مالك ، غير معروف أو محدّد أبداً ،
__________________
(١) الانتقاء ـ ابن عبد البر : ٤١.
(٢) اضواء على السنّة المحمدية ـ محمود ابو رية : ٣٧٩.
(٣) المذاهب الفقهية : ٤٣ ـ ٤٤.