زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّـهِ وَاللَّـهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا (١) هل تعني ان الله قد خلق «خولة بنت الأزور» وزوجها منذ القديم والأزل ، وهما يتحاوران أم خلقهما لاحقاً؟
والآية ـ في الحقيقة ـ حكت حوادث ووقائع قد وقعت في العهد الاسلامي ، وهكذا هناك المئات من الآيات قد روت وقائع وحوارات تخص الصحابة والمسلمين ، فهل كان هؤلاء مخلوقين منذ الأزل .. وكان القرآن منذ الأزل قد تحدّث عنهم أم ان علْم ذلك كان في الذات الالهية الأزلية لكي يروي تلك الوقائع في وقتها بعد أن يخلق الانسان؟
ثم ان الكلام أي كلام لا يتحقق وجوده الفعلي إلا بحروف وكلمات تحدث بفترات زمنية متقطعة تتخللها فترات صمت ، والكلام ـ بالتالي ـ بمجمله حادث وليس قديماً ، ولذلك قال تعالى : مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (الانبياء ٢) .. فكيف يكون كلام الله قديماً غير حادث أو مخلوق؟
والغريب بعد كل ذلك ، إصرار ابن حنبل على ان من زعم ان القرآن كلام الله ووقف ، ولم يقل ليس بمخلوق ، فهو أخبث من القول الاول ، وان قائله ملعون (٢) ، مع ان القائل بأن القرآن كلام الله ، ربما يعتقد في نفسه بأنه قديم ، ولكنه قال ذلك من قبيل الاختصار ، فكيف يستوي هذا مع القائل بأن القرآن مخلوق؟ انه تعسّف لا بقبله العقل بحال.
ولذلك خالف الكرابيسي ، الامام أحمد بعد أن كان صديقه ، في القول بقدم القرآن ، فهجره الحنابلة ، وترك الناس حديثه لطعن أحمد عليه ، فقال : ماذا نعمل مع
__________________
(١) المجادلة ١.
(٢) طبقات الحنابلة ـ محمد بن ابي يعلى ١ : ٢٩.