لا يتفقون على مسألة (١).
وهؤلاء الفقهاء الثلاثة ، انما رووا هذه القضية الشرعية عن ثلاثة من الصحابة ، منهم عائشة وجابر بن عبد الله الانصاري ، ومع ذلك تتفاوت الرواية بين نهي الرسول وتجويزه للبيع المذكور.
وهنا لابد ان تكون إحدى الروايات الثلاث صحيحة والاثنتان موضوعتان ، وإلا لا يصح أبداً أن تناقض أقوال الرسول صلىاللهعليهوآله ، والوضع إنما كان من قبل الصحابة أو الرواة الآخرين الذين نقلوا القضية عن الرسول صلىاللهعليهوآله ، لكن الفقهاء الثلاثة ، وأبرزهم أبو حنيفة الامام الاعظم ، مضوا في فتواهم ، كل متمسّك برأيه ولم يتراجع عنه أو يناقشه على الأقل للتأكد من صحة الحُكم الذي أدلى به.
واختلف الفقهاء في حُكم وطء أمرأة ميتة ، وانه هل يحدّ واطؤها أو يُعزّر؟ فالاوزاعي مثلاً ، يوجب الحدّ على الفاعل لأن الوطء في المرأة الميتة أشبه بوطء المرأة الحية ، ولأنه أعظم ذنباً ، وأكثر إثماً ، ولأنه فضلاً عن الفاحشة ، هتك حرمة الميتة. أما الحسن البصري فلا يوجب الحدّ على هذا الفعل لأنّ الوطء في الميتة كلا وطء ، لأنه عوض مستهلك ، ولأنه لا يُشتهى مثلها وتعافها النفس ، فلا حاجة الى تسرّع شرع الزاجر عنها (٢).
وهكذا سائر الأحكام والقضايا ، تتفاوت وتتعارض فيما بينها تعارضاً صارخاً ، وذلك نسبة الى الاختلاف والتفاوت بين القواعد الفقهية التي يلتزم بها هذا المذهب أو ذاك.
__________________
(١) المصدر السابق : ٣٧١.
(٢) الشرح الكبير ـ عبد الرحمان بن قدامة ١٠ : ١٨٦.