أم نسي فقهاء الجمهور ، هذه التحذيرات الالهية في غمرة إختلافهم وإصرارهم على الخطأ والمضي فيه؟
ويرجع عبد الوهاب الخلّاف في كتاب : «مصادر التشريع وأدلة الاحكام عند فقهاء السُنّة الأوائل» الى تسعة عشر دليلاً ، منها : الأخذ بالأخف ، سد الذرائع ، والعوائد ، وغير ذلك مما لم يرد في كتاب أو سُنّة ، ولا يعتمد على غير الاجتهاد المبني على الحدس والظن.
ولذلك قال مؤلف (كتاب الفقيه والمتفقه) : لقد ذل من ترك قول رسول الله الى قول من بعده ، أو قول الخطيب البغدادي : لا ينبغي أن يقلّد أحد في ترك ما ثبتت به سُنّة رسول الله صلىاللهعليهوآله.
ثم ألم يقل الرسول الاكرم صلىاللهعليهوآله : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ (١).
وهكذا نشكّك بكل ما حمله التأريخ من مذاهب ومدارس فقهية ، ابتعدت عن القرآن الكريم والسُنّة النبوية الصحيحة التي تُدوَّن بالصورة الكاملة وتُوثّق جيداً إلا بعد مضي أكثر من قرنين من الزمن.
ثم نتسائل : لِمَ ثبّت لنا الحكّام أربعة مذاهب فقط دون غيرها من المذاهب؟ وهل هي حقاً أحقّ من غيرها بالتقليد؟ ثم لِمَ اغلقوا باب الاجتهاد ، وانما كان عليهم تنظيمه وترشيده لئلا يدخل هذا الباب كل من هبّ ودب ، لا ان يغلقوه الى الأبد؟
فهذا الطبري كان من العلماء المجتهدين وصاحب مدرسة مستقلة في الفقه ، وهو لم يقلّد أحداً من الائمة الاربعة ، بل كان له مذهبه الفقهي الخاص ، وهو إمام في التفسير والحديث والفقه والتأريخ ، عارف بالحديث والسُنن ، عارف بأقوال الصحابة ، وكان
__________________
(١) صحيح مسلم ٥ : ١٣٢ ؛ مسند احمد ٦ : ٢٧٠ ؛ المحلى ـ ابن حزم ١٠ : ١٢٨.