اختلافات تلتزم بآداب الاختلاف في أكثرها ، وانما كانت صراعات وخصومات أدّت الى كثير من المصادمات الفكرية والعقائدية والفقهية ومن ثَم جدّت نزاعات دموية أيضاً مما أحدث شروخاً في جسد الأمّة الاسلامية لا تزال تثن منها لحد الآن.
ان السباب والتسقيط والاتهام في الدين ، والطعن في المعتقد الذي كان يدور بين الكثير من الفقهاء ، وخاصة الكبار منهم ، هو الأمر المشهور في ذلك الوقت ، وبالذات في القرنين الثاني والثالث الهجريين التي تُعتبر خير القرون حسب منطق الجمهور.
والآن ... نتناول بعض الآيات القرآنية التي نزلت بخصوص الاختلاف والفرقة والخصومة ، والموقف الالهي منها : أول هذه الآيات القرآنية التي يتمسّك بها أصحاب المذاهب ، باعتبارها تضفي مشروعية على الاختلاف بين المذاهب والطوائف والفرق ، كأمر وقع لا مفرّ منه ، ولابد أن يحصل كشيء طبيعي مقبول ... هذه الآية هي : وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ١١٨ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١).
ان هذه الآية المباركة تبيّن ان الله تعالى لم يشأ أن يجعل من الناس أمّة واحدة لأنه انما خلقهم للامتحان والاختبار ، وهم يختلفون دوماً عدا الذين رحمهم الله ، وإن مصير الذين اختلفوا في النهاية ، جهنم لأنهم عصوا الله ورُسُله ، ولو أطاعوهما لما اختلفوا ، وكانت الجنة ـ حتماً ـ مأواهم.
ومن المؤكد ان الآية جاءت لذم الاختلاف لا لِمَدْحه ، لأنها أوضحت عاقبة المختلفين ، ولا نفهم كيف أصبحت ذريعة لتشجيع الاختلاف والتنظير له كما يؤكد
__________________
(١) هود ١١٨ ـ ١١٩.