أبداً ولا يُزيغ الأمّة معه ، هذا ما نفهمه من هذه الاحاديث النبوية بحق الصحابي علي بن أبي طالب.
ووصايا النبي صلىاللهعليهوآله بحق عليّ ، كانت في سبيل تهيئة الأمّة وترويضها لاستيعاب هذه الحقيقة ، وهي ان علياً هو امتداد له في كل شيء باستثناء الوحي ومهمة النبوة.
فشجاعة عليّ من شجاعة رسول الله ، وعِلمُه من علمهِ ، ونهجه من نهجه ، وسياستُه من سياسته ، وكانت الأمّة تفهم هذه الحقيقة ، والبعض يستسيغها ويتقبّلها ويدعمها لأنها صادرة عن الرسول ويجب طاعته طاعة عمياء ، لأن مكانة علي العظمى والفريدة من النبي صلىاللهعليهوآله تؤهّله لأن يكون وصيه وخليفته ، والبعض الآخر وخاصة من مهاجري قريش أو قريش نفسها بعد الفتح ، لم يكونوا يستوعبون هذه التوصية النبوية ويتقبّلونها ، بل ان حقدهم على علي ، دعاهم للامتعاض والتربّص حتى وفاة الرسول ، لأنهم يكنّون حقداً مضاعفاً على علي بن أبي طالب ، يظهرونه مرّة ، ويخفونه مرّات ، خاصة وإن رسول الله لم يفوّت فرصة أو مناسبة إلا ويذكّرهم بمكانة علي واستخلافه له ، واستحقاقه المطلق للحكم من بعده ، وان خلافته أمر إلهي لا يقبل النقض أبداً ، وانه لم يتصف أحد من الصحابة بما اتصف به علي ، ولذلك فهو الوحيد المؤهّل لخلافته.
وحين قال الرسول صلىاللهعليهوآله : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فهو يعني بأن علياً هو الباب الوحيد لمدينة علمه ، وإلا لقال إنّ علياً أحد أبوابها (١).
وعندما ندقّق في هذا الحديث الصحيح ، يتّضح لنا ان النبي يوجّه الأمّة إلى حقيقة
__________________
(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٧ ؛ الاستيعاب ـ ابن عبد البر ٣ : ١١٠٢ ؛ المعجم الكبير ـ الطبراني ١١ : ٥٥.