الغدير وهو يخطب في الناس وقال ما قاله في حقه ، وكان العشرات من الصحابة حاضرين في الرحبة ، فقام بضعة عشر صحابياً فشهدوا انهم سمعوا رسول الله بعد حجة الوداع في غدير خم وهو يقول : ألست أني أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : من كنت مولاه فإن هذا مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأحب من أحبه ، وابغض من بغضه ، وأعن من أعانه.
وكان عليّ قد دعا على من كان حاضراً في غدير خم وكتم شهادته ، أن تصيبه البيضاء ، وبالفعل فإن دعاءه أصاب الصحابي الكبير زيد بن أرقم الذي كتم شهادته ، وقال : كنت فيمن كتم فذهب بصري وكان عليّ دعا على من كتم (١).
وهذا دليل آخر على أن الكثير من الصحابة الذين كانوا حضوراً في يوم الغدير ، لم يرق لهم الإقرار والإفصاح عما قاله رسول الله في حق علي حول ولايته وخلافته على المسلمين ، ولذلك كتموا شهادتهم حتى بعد مرور عشرات الاعوام على تلك الحادثة العظيمة.
وقد يتساءل المرء: على فرض ان رسول الله «عليه الصلاة والسلام» كان هدفه في ذلك المشهد العظيم يوم غدير خم ، هو دعوة المسلمين إلى نصرة عليّ وعدم معاداته ، فهل نفَّذ المسلمون هذا المطلب النبوي ورعوه حق رعايته؟ بالطبع ان الكثير من الصحابة والمسلمين لم يمتثلوا للأمر الالهي النبوي ، وإلا فلِمَ شن عليه طلحة والزبير وعائشة ومعهم جملة من الصحابة ، حرب الجمل في وقت كان يجب عليهم نصرته وقد بايعه جلّ المهاجرين والأنصار؟ وكذلك معاوية وعمرو بن العاص وغيرهما الذين حاربوه في معركة صفين؟ فهل هذه هي النصرة والموالاة في منطق هؤلاء؟
__________________
(١) مجمع الزوائد ـ الهيثمي ٩ : ١٠٦.