ألم يُشر القرآن الكريم إلى حقيقة ناصعة وهي ان أكثرية البشر وعلى الدوام ، يكرهون الحق ويخالفونه : وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (١) ، فلِمَ نستكثر على المسلمين تجاهلهم لقضية خلافة علي لرسول الله ، وتنكّرهم لوصاياه صلىاللهعليهوآله في هذا النطاق ، بعد وفاته مباشرة؟
فقيادات قد غرّتها الحياة الدنيا وعرضُها ، لم تلتفت إلى خطورة الخطوة التي فامت بها من عصيان الرسول بتخطّي النص النبوي الصريح في تعيين عليّ خليفة له ، وقرارها الاجتماع في السقيفة وانتخاب خليفة من بينها ، بعد ان أحسّت ان قريشاً وبعض المهاجرين لم يرق لهم أن يكون عليّ خليفة للمسلمين ، وخشيت أن يكون الحاكم من المهاجرين ، ولذا سارع الأنصار إلى الاجتماع في السقيفة قبل ان يكتشف المهاجرون خطّتهم وأمرهم ، إلا ان أبا بكر وعمر بن الخطاب وأبا عبيدة الجراح وهم من كبار المهاجرين ، أحسوا بالخطة ، فانطلقوا صوب السقيفة ، وجرى ما جرى من شِجار وتطاحن وتنافس قبائلي ، أدى إلى اختيار أبي بكر ، والأنصار الذين أُستغفِلوا لم يعوا إلا وقد دوهموا من قبل أعوان الخليفة أبي بكر الذين أكرهوا الكثير من الناس على البيعة للخليفة المُنتخب (٢) ، وعندما أقدم بعض الأنصار على البيعة ، أُسقط في ايدي جموع المهاجرين والأنصار ، فانهالوا بالبيعة ، وقد نسوا أو تناسوا أنَّهم بايعوا علياً في غدير خم ، وغفلوا عن العشرات من أوامر الرسول ووصاياه في حق عليّ ووجوب تولّيه حكم الأمّة وإمامتها من بعده.
أما عليّ الذي كان بيت القصيد ، وهو المُعيَّن من قِبل رسول الله ، فقد كان منشغلاً
__________________
(١) المؤمنون ٧٠.
(٢) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١ : ٢١٩ دار إحياء الكتب العربية ـ القاهرة ١٩٥٩ م.