______________________________________________________
ولأجل ذلك نسب القول بجواز نية الخروج إلى ما دون المسافة إلى الندرة والشذوذ ، ولم يعرف قائل به الى زمان فخر الإسلام ، فقد قيل : إنه قال به في بعض حواشيه ، وتبعه عليه في الوافي ، وشرح المفاتيح. وعن الشهيد الثاني في بعض فوائده ، أنه قال : « وما يوجد في بعض القيود : من أن الخروج الى خارج الحد ، مع العود الى موضع الإقامة ليومه أو ليلته لا يؤثر في نية الإقامة ، وإن لم ينو إقامة عشرة مستأنفة ، لا حقيقة له ، ولم نقف عليه مسنداً الى أحد من المعتبرين ، الذين تعتبر فتواهم ، فيجب الحكم بإخراجه .. ».
وكأن الوجه الذي دعاهم الى ذلك : حمل الإقامة في النصوص على كون البلد مثلا مقراً له ومحطاً لرحله. إذ من الواضح أن هذا المعنى لا ينافيه الخروج المذكور. بل لا ينافيه الخروج إلى المسافة ، لو لا الإجماع على قدح نيته. لكن حيث لا قرينة على هذا المعنى ، لا مجال لرفع اليد عن ظاهر النصوص في كون الإقامة ما يقابل الارتحال والذهاب ، المعبر عنها بالحضور المنافي ذلك قطعاً. لا أقل من إجمال النصوص ، والمرجع عموم التقصير على المسافر. اللهم إلا أن يقال : المفهوم عرفاً من الإقامة هو المعنى الأول ، فيتعين حمل النصوص عليه ، ولا إجمال فيها حينئذ.
وأما ما في خبر الحضيني ، المروي في الوسائل في باب تخيير المسافر بمكة : « إني أقدم مكة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة. قال (ع) : انو مقام عشرة أيام ، وأتم الصلاة » (١) فالاستدلال به على هذا القول مبني على كون الخروج الى عرفات لا يوجب التقصير ، والالتزام بكون الخروج هذه المدة غير مناف للإقامة. والأول مناف لصريح النصوص. والثاني بعيد جداً. مع أن عدم صحة الخبر في نفسه ، وإعراض الأصحاب عنه مانعان عن العمل به.
__________________
(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٥.