______________________________________________________
يراد بهما تحديد مقدار البعد الذي يجوز معه التقصير ، كما اعترف به جماعة ـ بل نسبه الى الأصحاب غير واحد ـ لا أنهما علامتان عليه ، ولا موضوعان لجواز التقصير. وحينئذ فلا بد من النظر في كونهما متساويين ، أو مختلفين. وعلى الثاني فهل يمكن التصرف بظاهر أحدهما ، أو كليهما ، ليرجع أحدهما إلى الآخر فيرتفع التنافي ، أولا يمكن ليرجع الى قواعد التعارض؟ فنقول :
أما صحيحة ابن مسلم ، المتضمنة للتحديد بأن يتوارى عن البيوت ، فمقتضى الجمود على عبارتها أن يستتر المسافر نفسه عن البيوت ، يعنى : أن يبعد إلى حد يكون بينه وبينها ساتر وحاجب. وهذا تارة : يكون بعناية أن لا يراها ، وأخرى : بعناية أن لا تراه. وحيث أن الثاني محتاج الى تقدير الابصار لها. مضافاً الى عدم مناسبته لكون ذلك أمارة للمسافر يعمل عليها تعين أن يكون بعناية الأول. ولأجل ذلك عبر المشهور بخفاء الجدران ، أو تواريها ، مريدين خفاءها عليه. وكأن الباعث على هذا التعبير ان المسافر هو فاعل المواراة ، وإن كانت هي قائمة بكل من الطرفين. وحينئذ فالتحديد المذكور مما لا يناسب التحديد في صحيحة ابن سنان وأخواتها ، إذ البعد المؤدي إلى استتار البيوت عن المسافر يزيد كثيراً عن البعد المانع عن سماع الأذان ، سواء أريد منه عدم سماع فصوله ، على نحو يميز بعضها عن بعض أم عدم سماعه بما أنه أذان ، على نحو لا يميز كونه أذاناً أو ندبة ، أم عدم سماعه بما أنه صوت ، بحيث يخفى أصل الصوت ، فان جميع ذلك يحصل قبل أن يحصل البعد الموجب للاستتار.
وحينئذ يدور الأمر بين حمل الأولى على خصوص البوادي ، التي لا يكون التوطن فيها إلا في بيوت منقولة أو ثابتة ، وحمل الثانية على ما عداها من البلدان والأمصار. وبين حمل الأولى على إرادة مرتبة خاصة من الاستتار تكون مساوية في المقدار لعدم السماع. وبين حملها على عدم إرادة التحديد