جنتهم بعد صلاة العصر ، فأشرفوا على ثمرة ورزق فاضل ، لم يعاينوا مثله في حياة أبيهم ، فلما نظروا إلى الفضل طغوا وبغوا ، وقال بعضهم لبعض : إن أبانا كان شيخا كبيرا قد ذهب عقله وخرف ، فهلموا نتعاهد فيما بيننا أن لا نعطي أحدا من فقراء المسلمين في عامنا [هذا] شيئا حتى نستغني وتكثر أموالنا ثم نستأنف الصنعة فيما يستقبل من السنين المقبلة ، فرضي بذلك منهم أربعة ، وسخط الخامس ، وهو الذي قال الله تعالى : (قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ).
فقال الرجل : يابن عباس ، كان أوسطهم في السنّ؟ فقال : لا ، بل كان أصغرهم سنا ، وأكبرهم عقلا ، وأوسط القوم خير القوم ، والدليل عليه في القرآن أنكم يا أمة محمد أصغر الأمم وخير الأمم ، قوله عزوجل : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)(١).
فقال لهم أوسطهم : اتقوا الله ، وكونوا على منهاج أبيكم تسلموا وتغنموا ، فبطشوا به وضربوه ضربا مبرحا ، فلما أيقن الأخ منهم أنهم يريدون قتله دخل معهم في مشورتهم كارها لأمرهم غير طائع ، فراحوا إلى منازلهم ، ثم حلفوا بالله ليصرموه إذا أصبحوا ، ولم يقولوا : إن شاء الله ، فابتلاهم الله بذلك الذنب ، وحال بينهم وبين ذلك الرزق الذي كانوا أشرفوا عليه ، فأخبر عنهم في الكتاب ، وقال : (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) قال : كالمحترق.
فقال الرجل : يا ابن عباس ، ما الصّريم؟ قال : الليل المظلم ، ثم قال : لا ضوء له ولا نور.
__________________
(١) البقرة : ١٤٣.