فلما أصبح القوم (فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) قال : (فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ).
قال الرجل : وما التخافت ، يا بن عباس؟ قال : يتشاورون ، فيشاور بعضهم بعضا لكيلا يسمع أحد غيرهم.
فقالوا : (لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) وفي أنفسهم أن يصرموها ، ولا يعلمون ما قد حلّ بهم من سطوات الله ونقمته
(فَلَمَّا رَأَوْها) و [عاينوا] ما قد حلّ بهم (قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) فحرمهم الله ذلك الرزق بذنب كان منهم ولم يظلمهم شيئا (قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) قال : يلومون أنفسهم فيما عزموا عليه (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) فقال الله : (كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)(١).
* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :
(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (٣٩)) [سورة القلم : ٣٤ ـ ٣٩]؟!
الجواب / قال الشيخ الطبرسي : لما ذكر سبحانه ما أعده بالآخرة للكافرين ، عقبه بذكر ما أعده للمتقين ، فقال : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) يتنعمون فيها ، ويختارونها على جنات الدنيا التي يحتاج صاحبها إلى المشقة والعناء. ثم استفهم سبحانه على وجه الإنكار فقال : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) أي لا نجعل المسلمين كالمشركين في الجزاء
__________________
(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨١.