البلاغة) ، قال : روي أن بعض أصحاب أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهالسلام سأله عن قول الله عزوجل : (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) فقال عليهالسلام : «يوكّل الله بأنبيائه ملائكة يحصون أعمالهم ويؤدون إليه بتبليغهم الرسالة ، ووكّل بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ملكا عظيما منذ فصل عن الرّضاع يرشده إلى الخيرات ومكارم الأخلاق ، ويصده عن الشر ومساوىء الأخلاق ، وهو الذي كان يناديه : السّلام عليكم يا محمد يا رسول الله ، وهو شاب لم يبلغ درجة الرسالة بعد ، فيظن أن ذلك من الحجر والأرض ، فيتأمل فلا يرى شيئا» (١).
وقال سدير الصيرفي : سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر عليهالسلام عن قول الله عزوجل : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٢) ، فقال أبو جعفر عليهالسلام : «إن الله عزوجل ابتدع الأشياء كلها بعلمه على غير مثال كان قبله ، فابتدع السماوات والأرضين ، ولم يكن قبلهن سماوات ولا أرضون ، أما تسمع لقوله تعالى : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ)(٣)؟».
فقال له حمران : أرأيت قوله جلّ ذكره : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً)؟ فقال أبو جعفر عليهالسلام : (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) وكان والله محمد ممن ارتضاه ، وأما قوله : (عالِمُ الْغَيْبِ) فإن الله عزوجل عالم بما غاب عن خلقه فيما يقدر من شيء ويقضيه في علمه قبل أن يخلقه وقبل أن يفضيه إلى الملائكة ، فذلك ـ يا حمران ـ علم موقوف عنده ، إليه فيه المشيئة ، فيقضيه إذا أراد ، ويبدو له فيه فلا يمضيه ، فأما [العلم] الذي يقدره [الله] عزوجل ويقضيه ويمضيه فهو العلم الذي انتهى إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثمّ إلينا» (٤).
__________________
(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٣ ، ص ٢٠٧.
(٢) الأنعام : ١٠١.
(٣) هود : ٧.
(٤) الكافي : ج ١ ، ص ٢٠٠ ، ح ٢.