شدة الجوع وغارت عيناها ، فلما رآها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ضمّها إليه ، وقال : «وا غوثاه ، أنتم منذ ثلاث فيما أرى!» فهبط جبرئيل عليهالسلام ، فقال : يا محمد ، خذها هنأ لك في أهل بيتك. فقال : «وما آخذ يا جبرئيل؟» قال : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً)(١) حتى بلغ (إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً)(٢).
وقال الحسن بن مهران في حديثه : فوثب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى دخل منزل فاطمة عليهاالسلام ، فرأى ما بهم فجمعهم ، ثم انكب عليهم يبكي ، ويقول : «أنتم منذ ثلاث فيما أرى وأنا غافل عنكم». فهبط عليه جبرئيل عليهالسلام بهذه الآيات (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) قال : هي عين في دار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تتفجر إلى دور الأنبياء والمؤمنين (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين وجاريتهم فضة (وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) يقول عابسا كلوحا (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) يقول : على حب شهوتهم للطعام وإيثارهم له (مِسْكِيناً) من مساكين المسلمين (وَيَتِيماً) من يتامى المسلمين (وَأَسِيراً) من أسارى المشركين ، ويقولون إذا أطعموهم : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) ، قال : والله ما قالوا هذا ، [لهم] ولكنّهم أضمروه في أنفسهم ، فأخبر الله بإضمارهم.
يقول : (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً) تكافؤننا به (وَلا شُكُوراً) تثنون علينا به ، ولكنا (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) وطلب ثوابه ، قال الله تعالى ذكره : (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) في القلوب (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً) جنة يسكنونها (وَحَرِيراً) يفرشونه ويلبسونه (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى
__________________
(١) الدهر : ١.
(٢) الدهر : ٢٢.