تبرأوا منهم أي : من قومهم الكفار (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) أي اقتدوا بإبراهيم في كل أموره إلا في هذا القول ، فلا تقتدوا فيه ، فإنه عليهالسلام إنما استغفر لأبيه عن موعدة وعدها إياه بالإيمان. فلما تبين له أنه عدو لله ، تبرأ منه. قال الحسن : وإنما تبين له ذلك عند موت أبيه ، ولو لم يستثن ذلك ، لظن أنه يجوز الاستغفار للكفار مطلقا من غير موعدة بالإيمان منهم ، فنهوا أن يقتدوا به في هذا خاصة ، وقيل : كان آزر ينافق إبراهيم ، ويريه أنه مسلم ، ويعده إظهار الإسلام ، فيستغفر له ، ثم قال : (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) إذا أراد عقابك ، ولا يمكنني دفع ذلك ، عنك (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا) أي وكانوا يقولون ذلك (وَإِلَيْكَ أَنَبْنا) أي وإلى طاعتك رجعنا (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) أي إلى حكمك المرجع وهذه حكاية لقول إبراهيم وقومه. ويحتمل أن يكون تعليما لعباده أن يقولوا ذلك ، فيفوضوا أمورهم إليه ، ويرجعون إليه بالتوبة (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) (١) معناه : لا تعذبنا بأيديهم ، ولا ببلاء من عندك ، فيقولوا : لو كان هؤلاء على حق لما أصابهم هذا البلاء. وقيل : معناه ولا تسلطهم علينا ، فيفتنونا عن دينك. وقيل : معناه ألطف بنا حتى نصبر على أذاهم ، ولا نتبعهم فنصير فتنة لهم. وقيل : معناه اعصمنا من موالاة الكفار ، فإنا إذا واليناهم ، ظنوا أنا صوبناهم. وقيل : معناه لا تخذلنا إذا حاربناهم ، فلو خذلتنا لقالوا : لو كان هؤلاء على الحق لما خذلوا. (وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا) ذنوبنا (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) الذي لا يغالب و (الْحَكِيمُ) الذي لا يفعل إلا الحكمة والصواب. وفي هذا تعليم للمسلمين أن يدعوا بهذا الدعاء.
ثم أعاد سبحانه في ذكر الأسوة فقال : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ) أي في
__________________
(١) قال أبو عبد الله عليهالسلام : «ما كان من ولد آدم مؤمن إلا فقيرا ، ولا كافر إلا غنيا ، حتى جاء إبراهيم عليهالسلام فقال : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) فصير الله في هؤلاء أموالا وحاجة وفي هؤلاء أموالا وحاجة». (الكافي : ج ٢ ، ص ٢٠٢ ، ح ١).