ولعل مستندهم الإجماع البسيط الذي أشرنا أو المركب.
وينبّه على ذلك حالنا وحال الفقهاء في كل عصر ومصر ، بأنّا بملاحظة حديث في موضع خاص ، مثل حديث الولوغ ، يسبق إلى أذهاننا انفعال القليل مطلقا من كل نجاسة ، من دون مدخلية خصوص ولوغ الكلب مثلا ، سبقا لا تأمّل فيه ولا تزلزل ، ولو أطلعنا على مثل ما روي عن الباقر عليهالسلام مثلا يسبق إلى أذهاننا عدم الانفعال كذلك ، من دون مدخلية موت الفأرة والجرة.
ثم من جهة السبقين يسبق إلى ذهننا التعارض بينهما ، بحيث نضطر إلى بذل الجهد التام في استحصال المرجحات وحجية تلك المرجحات ، ونضطرب في ذلك ، ثم في الجمع ولو بتعسفات شديدة ، أو الطرح بعد اليأس بالمرة ، ولا يختلج بخاطرنا احتمال اختصاص كل بمورده ، حتى في مقام تعسفات الجمع واضطراب القدح والطرح. مع أنّه لا تعارض أصلا ورأسا لو لا ما يرسخ في الخاطر من الإجماع.
ولذا لا يوجد تفاوت أصلا في ما ذكرنا بين القائل بحجية المفهوم ومنكرها والقائل بعمومه ومنكره ، بل ربما لا يخطر بالبال أصلا في المقامات المذكورة حديث المفهوم فضلا عن العموم والإشكال ورفعه بتحصيل رجحان ما. مع أن عموم المفهوم لا يقاوم خصوص المنطوق إجماعا ، فضلا عن أن يترجح عليه وفاقا ، وخصوصا أن يحصل الاطمئنان التام (١) الذي أشرنا.
ومما يؤيد قول الأصحاب تتبع تضاعيف الأحاديث الواردة في المقامات الخاصة التي لا تحصى ، إذ بملاحظة جميعها ربما يحصل العلم العادي بعدم مدخلية خصوصية مادة ، مثلا رأينا الشارع قال في موضع : إذا شهد عدلان فاعتبروا ، وفي موضع آخر قال كذلك ، وهكذا إلى أن قال في
__________________
(١) في « أ » و « و » زيادة : واليقين.