يخفى ، فلاحظ من أول المدارك إلى آخره ، وغيره من تأليفاته. بل يصرح كثيرا بأنه لا قائل بالفصل ، منه في باب نجاسة البول والغائط (١). وكثيرا ما يعتمد على إجماع يدّعى ، فضلا عن إجماع يدعي هو ، منه في الباب المذكور ، وباب نجاسة المني (٢) ، وغير ذلك. والظاهر أن عبارته هنا فيها مسامحة.
وإنما قلنا بإمكان حصول العلم برأي المعصوم في مثل زمان ابن إدريس أيضا ، لأن تحقق العلم من اجتماع الظنون وتعاضدها غير عزيز ، كما في الخبر المتواتر ، والواحد المحفوف بالقرائن وغيرهما ، بل هو في غاية الكثرة ، ولا ينكره أحد من المسلمين وغيرهم ، إلا نادرا من الكفار ، لشبهته في مقابل البديهة.
وحصول الظن من فتوى فقيه ماهر عادل متق ، باذل للجهد في استحصاله من الأدلة الشرعية ، مستفرغ للوسع في ملاحظة جميع ماله دخل في الأخذ والفهم ، موص للغير في الاحتياط في أخذ الحكم غايته ، لا ينكره قلب خال عن الشوائب والمعايب ، سيما إذا كان الفقيه من القدماء ، ثم إذا رأينا فقيها آخر مثله يشاركه حصل ظن آخر من قوله ، وقوة أخرى من اجتماعهما ، وهكذا كلما رأينا فتوى حصل ظن منه ، وقوة من انضمامه ، واخرى من انضمامين ، وعلى هذا القياس ، إلى أن يحصل العلم من نفس ذلك.
أو بضميمة ملاحظة أن أذهانهم مختلفة في إدراك الأمور واستنباط المسائل ، ومشربهم متفاوت في تأسيس المباني وتأصيل الأصول ، ومع ذلك اتفقوا هذا الاتفاق ، وخصوصا بعد التفطن بما أشرنا إليه آنفا.
وسيما إذا كان الحكم مما يعم به البلوى وتكثر إليه الحاجة ، وخصوصا
__________________
(١) المدارك ٢ : ٢٥٨.
(٢) المدارك ٢ : ٢٦٦.