يوجد شق ثالث.
ولربّ قائل يقول انّه يوجد أصل ثالث عقلي وهو أصالة التخيير عند الدوران بين المحذورين ، فإنّ صلاة الجمعة لو دار أمرها بين الوجوب والحرمة فالعقل يحكم بالتخيير بين الفعل والترك.
والجواب : أنّ التخيير بين الفعل والترك ليس أصلا عقليا ثالثا إذ في المقصود منه ـ التخيير ـ احتمالان : ـ
أ ـ فقد يقصد به وجوب الفعل أو الترك ، وبتعبير آخر : وجوب الجامع بين الفعل والترك المعبّر عنه بعنوان أحدهما فالذمّة تكون مشغولة بأحد الأمرين : الفعل أو الترك.
والاحتمال المذكور باطل لأنّ الجامع بين الفعل والترك حاصل من المكلّف قهرا إذ لا يخلو حاله من فعل صلاة الجمعة أو تركها ومعه يكون الالزام بأحد الأمرين ـ الفعل والترك ـ إلزاما بما هو حاصل وأمرا بتحصيل ما هو حاصل.
ب ـ وقد يقصد منه نفي التكليف بالفعل والترك وعدم اشتغال الذمّة بأحدهما ، وبتعبير آخر نفي وجوب الجامع بين الفعل والترك.
وهذا وإن كان معقولا غير انّ التخيير بناء على هذا الاحتمال يكون راجعا إلى أصل البراءة ، أي براءة ذمّة المكلّف وعدم اشتغالها لا بالفعل ولا بالترك ولا يكون أصلا ثالثا مستقلا في مقابل أصل البراءة وأصل الاحتياط بل هو عين أصل البراءة (١).
__________________
(١) وبهذا يتّضح انّ عدّ الأحكام خمسة محل تأمّل بل هي أربعة فإنّه يمكن القول بعدم كون ـ