المتأخّرون الواجب بالمطلق (١) ؛ لأنّ مطلق الواجب على قسمين :
أحدهما : المقيّد ، وهو ما كان وجوبه مقيّدا بمقدّمة زائدة على الامور المعتبرة في التكليف ، كالزكاة المتوقّف وجوبها على ملك النصاب ، والحجّ المتوقّف وجوبه على الاستطاعة.
ولا خلاف في عدم وجوب هذه المقدّمة ؛ لأنّه قال الشارع : من ملك النصاب يجب عليه الزكاة ، ومن استطاع يجب عليه الحجّ ، وليس هذا أمرا بتحصيل النصاب والاستطاعة ، بل المراد إن اتّفق ذلك يجب الزكاة والحجّ ، وإن لم يتّفق فلا وجوب ، ولذا قيل : ما ارتكبه القدماء ـ من عدم التقييد ـ صحيح (٢) ؛ لأنّ غرضهم من الواجب ما هو واجب بالفعل والحقيقة ، والواجب المقيّد قبل اتّفاق مقدّمته ليس كذلك (٣).
وثانيهما : الواجب المطلق ، وهو ما أمر به الشارع مطلقا من غير تقييد وجوبه بمقدّمة زائدة ، كالصلاة التي أمر بها في حالة الطهارة والحدث ، ولكنّها تتوقّف على الطهارة ، إلاّ أنّ الطهارة ليست قيدا لوجوبها ، بل هي واجبة وإن لم يتّفق الطهارة. وهذه المقدّمة هي التي وقع فيها الخلاف.
وقد يكون واجب بالنسبة إلى مقدّمة مقيّدا ، وبالنسبة إلى اخرى مطلقا ، كالصلاة بالنسبة إلى البلوغ والطهارة ، فلا يجري الخلاف في الاولى ، ويجري في الثانية.
[ الأمر ] الثالث : وجوب الشيء إمّا عقلي ، وهو لا بدّيّة فعله ، أي العقل يحكم بأنّه لا بدّ من فعله ولا مفرّ منه. وإمّا شرعي ، وهو أن يتعلّق خطاب الشارع به أصالة أو تبعا حتّى لو ترك ترتّب عليه العصيان.
ثمّ الظاهر من كلام الأكثر أنّه لا خلاف في ثبوت الوجوب العقلي لجميع مقدّمات
__________________
(١) راجع معالم الدين : ٦٠ : « أنّ الأمر بالشيء مطلقا ».
(٢) أي لا نحتاج إلى قيد الإطلاق ؛ لفهم القيد من كلمة « الواجب » ، فليس معنى العبارة حصر الصحّة في عبارة القدماء. ولو كان الحصر مرادا ، لقال : « هو الصحيح ».
(٣) قاله الملاّ ميرزا في حاشية معالم الدين : ٥٧. وهو حسن في عبارة « مقدّمة الواجب » لا في « مقدّمة الشيء » ، فإنّه يحتاج إلى القيد.