على أنّ المأمور به ليس هو الماهيّة الكلّيّة ، بل بعض الأفراد ، بخلاف الصورة الخامسة ؛ فإنّ المأمور به فيها ماهيّة ، والمنهيّ عنه ماهيّة اخرى.
والحقّ : عدم الفرق في نفس الأمر بين الصورة الرابعة والخامسة ؛ لأنّه كما يمكن أن يقال في الخامسة : لا امتناع في تعلّق الأمر بالطبيعة الكلّيّة وهي مطلوبة ، والغرض من النهي عدم حصول المنهيّ مقارنا لها ، وإن حصل مقارنا لها كان ممتثلا للأمر ، فلا حاجة إلى تقييد الأمر بغير المنهيّ عنه ، يمكن أن يقال ذلك في الرابعة أيضا بعينه.
وكما يمكن أن يقال في الرابعة بأنّ النهي عن الفرد الخاصّ يدلّ على أنّ المراد بالمأمور به بعض أفراد الطبيعة ، يمكن أن يقال ذلك في الخامسة أيضا بعينه ، إلاّ أنّه يبدّل النهي عن الفرد الخاصّ بالنهي عمّا يتحقّق المأمور به في ضمنه بعض الأوقات. وهذا هو الحقّ. فلا فرق بين ما ينفكّ فيه الجهتان ، وبين ما ينفكّ فيه إحدى الجهتين في عدم جواز الاجتماع.
هذا ؛ واعلم ، أنّ قول القاضي فيما وافقنا ـ من عدم الصحّة (١) ـ فلا كلام فيه. وأمّا ما تفرّد به من كونه مسقطا للفرض (٢) ، ففساده في غاية الظهور ، غير محتاج إلى البيان.
[ الصورة ] السادسة : أن يتعلّق الوجوب والكراهة بالواحد الشخصي ، كالصلاة في الحمّام وغيره من المواضع المعروفة ، وقد ثبت في الشرع كراهة الصلاة فيها (٣) ، وكذا كراهة الصوم في بعض الأزمنة (٤) ، ولذا استدلّ الأشعري بثبوتهما على ما ذهب إليه من جواز اجتماع الوجوب والحرمة ؛ لأنّ الأحكام متضادّة ، فإذا جاز اجتماع الوجوب والكراهة ، يجوز اجتماع الوجوب والحرمة أيضا.
وقد اضطرب القوم في تصحيح ذلك ، فقال بعضهم (٥) : الكراهة لا تتعلّق بنفس الفعل ، بل بوصفه ، فمتعلّق الكراهة في الصلاة في الحمّام التعرّض للنجاسة ، أو لكشف العورة ، وفي
__________________
(١) تقدّم في ص ١٤٧.
(٢) حكاه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ١ : ١٥٨ ، والفخر الرازي في المحصول ٢ : ٢٩٠.
(٣) راجع الكافي ٣ : ٣٨٧ ، باب الصلاة ... في البيع والكنائس والمواضع التي تكره الصلاة فيها.
(٤) كيوم عرفة إذا أضرّ بالدعاء ، ويوم عاشوراء ، ويوم الأضحى وغيرها. راجع الكافي ٤ : ١٤٥ ـ ١٤٨ ، باب الحائض والمستحاضة ، ح ١ ـ ١١.
(٥) راجع : الإحكام في أصول الأحكام ١ : ١٦٢ ، وقوانين الاصول ١ : ١٤٣.