وأيّد (١) ذلك بكثير من الظواهر : كقوله تعالى : ( إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ )(٢) ، مع أنّ عبادة غيرهم أيضا مجزئة إجماعا. وقوله تعالى : ( لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى )(٣) ، مع أنّ الصدقات الواجبة المتبوعة بهما ليست بباطلة.
وما ورد من أنّ صلاة شارب الخمر إذا سكر لا تقبل أربعين صباحا (٤) ، مع أنّ صلاته ليست بفاسدة في هذه المدّة.
وما ورد من أنّ الصلاة لا يقبل منها إلاّ ما أقبل عليه ، فربّما قبل نصفها ، وربّما قبل ثلثها (٥) ، مع أنّها بدون الإقبال مجزئة.
وسؤال إبراهيم وإسماعيل التقبّل (٦) ، مع أنّ فعلهما كان مجزئا صحيحا.
والجواب عن الجميع : أنّ المراد بالقبول القبول الكامل المشتمل على زيادة الثواب الموعود به ، مع أنّه فسّر « المتّقين » في الآية بالمؤمنين (٧) ، وفي بعض الأخبار أنّ المراد منهم الشيعة (٨).
وسؤال إبراهيم وإسماعيل يمكن أن يكون للواقع ، يدلّ عليه بعده ( رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ )(٩) مع أنّهما كانا مسلمين.
ثمّ الظاهر أنّ السيّد لمّا ذهب إلى أنّ الإجزاء في العبادة ما (١٠) يوجب سقوط القضاء دون موافقة أمر الشارع ، قال بالفرق بينه وبين القبول ؛ لأنّ سقوط القضاء غير مستلزم للقبول ؛ لما سبق ، فيكون مراده من الإجزاء ـ المنفكّ عن القبول في الآيات والأخبار المذكورة ـ ما يلزمه سقوط القضاء.
__________________
(١) أيّد عدم التلازم الشهيد في القواعد والفوائد ٢ : ٩٧ ـ ٩٩ ، القاعدة ١٨٠.
(٢) المائدة (٥) : ٢٧.
(٣) البقرة (٢) : ٢٦٤.
(٤) الكافي ٦ : ٤٠٠ ، باب آخر منه ، ح ١ ـ ٦ و ٨ ـ ١٢.
(٥) المصدر ٣ : ٣٦٢ ، باب ما يقبل من صلاة الساهي ، ح ١ ، والفروق ٢ : ٥٣.
(٦) إشارة إلى الآية ١٢٧ من البقرة (٢) وهي قوله تعالى : ( رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا ).
(٧) نسبه الطبري في جامع البيان ٦ : ١٢٣ إلى جماعة من أهل التأويل منهم الضحّاك.
(٨) انظر الصافي ١ : ٩٢ ، والبرهان ١ : ١٢٣ ، ح ٣١٠ / ١ ، و ٢ : ٢٧٣ ، ح ٣٠٢٨ / ٣. قيّد المعصوم عليهالسلام فيه المتّقين بالعارفين ، وفسّر المعصوم عليهالسلام المتّقين في أوّل البقرة بالشيعة.
(٩) البقرة (٢) : ١٢٨.
(١٠) لم يرد في « ب » : « ما ».