واجيب : بأنّ المتعلّق هو الموجود العلمي ؛ فإنّ ما تعلّق به التكليف وإن كان معدوما في الخارج ، إلاّ أنّه موجود في علم الله ، فتعلّق به التكليف تعلّقا علميّا ، وإذا وجد في الخارج يتعلّق به تعلّقا تنجيزيّا. وهذا هو مراد الأشاعرة (١).
واحتجّوا أمّا أوّلا : فبأنّ كلامه أزلي ، وإلاّ لزم قيام الحوادث (٢) بذاتها ، ومن جملة كلامه الأمر والنهي ، وكلّ منهما تكليف ، فيكون التكليف أزليّا. ومن اللوازم الذاتيّة للتكليف التعلّق ؛ لعدم تحقّقه بدونه ، فيكون التعلّق أيضا أزليّا ، ولا يتصوّر ذلك إلاّ بأن يتعلّق التكليف بالمعدوم (٣).
وغير خفيّ أنّ كون الكلام عندهم أزليّا بناء (٤) على ما ذهبوا إليه من إثبات الكلام النفسي ، وهو باطل عندنا ، بل الكلام مؤلّف من الحروف وهو حادث ، وليس قائما بذاته حتّى يلزم ما ذكر. وقد حقّق ذلك في محلّه.
وأمّا ثانيا : فبأنّا مكلّفون بأوامر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مع كوننا معدومين في حالة أمره (٥).
واجيب : بأنّه يحدث تعلّقها بنا (٦) بخبر النبيّ إذا وجدنا كما تقدّم. فكلّ موجود وإن دخل تحت الأوامر الصادرة عند عدمه ، إلاّ أنّ تعلّقها به لم يكن عند عدمه ، بل بعد وجوده ؛ فإنّ الآمر إذا علم وجود شخص فيما بعد ، وأراد في وقت عدمه أن يأمره بشيء عند وجوده ، ولم يكن في غرضه تعلّق الأمر به في حالة عدمه ، يجوز أن يأمره به مطلقا من غير تقييد ، كأمر الرجل ولده الذي أيقن من طريق بأنّه سيولد بتعلّم إحدى الصناعات (٧).
هذا ، مع أنّ تعلّق التكليف بالمعدوم لا يترتّب عليه فائدة وإن كان له وجود علمي ، وصدور أمر لم يكن فيه فائدة قبيح من الحكيم.
والقول بأنّه يترتّب عليه الفائدة بعد زمان ، أي حالة وجوده ، وهو كاف لخروجه عن
__________________
(١) راجع : المحصول ٢ : ٢٥٥ ـ ٢٥٩ ، وتهذيب الوصول : ١١٧ ، والإحكام في أصول الأحكام ١ : ٢٠٢.
(٢) في « ب » : « الحادث ».
(٣) راجع : المحصول ٢ : ٢٥٥ ـ ٢٥٩ ، وتهذيب الوصول : ١١٧ ، والإحكام في أصول الأحكام ١ : ٢٠٢.
(٤) خبر.
(٥) تقدّم تخريجها آنفا.
(٦) في « ب » : « بها بناء ».
(٧) تقدّم تخريجهما آنفا.