تصوّره ، أي العلم الحصولي ، وكلّ منهما ينفكّ عن الآخر ؛ لأنّه كما يمكن حصول الشيء بنفسه في الذهن من غير حصول صورته كما ذكر ، كذلك يمكن حصول صورته فيه من غير حصول نفسه فيه ، كما يرتسم الذهن بصورة زيد من دون حصول نفسه فيه. وكيف لا يفترقان (١) مع أنّ الأوّل جزئي ، والثاني كلّيّ؟! لأنّ (٢) نفس الشيء وعينه لا تصدق على غيره.
وأمّا صورته المطابقة له ، فتصدق على كثيرين ، فالذهن ما لم يتصوّر بصورة شيء ، لم يتصوّره بماهيّته ، ولم يحصل له حدّه وإن حصل بنفسه فيه ، وحينئذ نقول فيما نحن فيه : إنّ المسلّم [ هو ](٣) حصول ماهيّة الخبر بنفسها في الذهن ، وأمّا تصوّرها ، فلا ، وهو ظاهر.
والجواب عن الثاني : أنّ التمايز بين الشيئين لا يتوقّف على تصوّرهما بالكنه ، غاية الأمر أنّه يتوقّف على تصوّرهما بوجه ما ، وهو يحصل بعد حصولهما بنفسهما في الذهن وإن لم يتصوّرا بالماهيّة.
وإذا عرفت أنّ الخبر يمكن تحديده ، فاعلم أنّه قيل في حدّه : إنّه كلام يحتمل الصدق أو الكذب (٤). وقيل : التصديق أو التكذيب (٥).
واورد عليهما : بأنّ الصدق : الخبر المطابق ، والكذب : الخبر الذي ليس بمطابق ، والتصديق والتكذيب : الإعلام بالصدق والكذب ؛ فهما مأخوذان في التعريفين مع أنّهما من أنواع الخبر ، ولذا يؤخذ في تعريفهما ؛ فتعريفه بهما يستلزم الدور (٦).
__________________
(١) في « ب » : « لا يفرّقان ».
(٢) تعليل لجزئيّة المعلوم بالعلم الحضوري.
(٣) أضفناه لاستقامة العبارة.
(٤) في « ب » : « والكذب » ، واختار السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٤٧٧ المشتمل على « أو » لا الواو. وعدّ الشيخ في العدّة في أصول الفقه ١ : ٦٣ المشتمل على « أو » أولى من المشتمل على الواو بدليل استحالة اجتماع الصدق والكذب في خبر واحد. واختار المشتمل على الواو القاضي أبو بكر والمعتزلة كما في منتهى الوصول لابن الحاجب : ٦٥.
(٥) ذكر القاضي عضد الدين المشتمل على « أو » بعنوان قيل في شرح مختصر المنتهى ١ : ١٤٥ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٢ : ١٦١. واختار الشهيدان المشتمل على الواو. راجع : القواعد والفوائد ١ : ٢٥٣ ، القاعدة ٨٣ ، وتمهيد القواعد : ٢٤٥ ، القاعدة ٩٠.
(٦) حكاه ابن الحاجب في منتهى الوصول : ٦٦ وارتضاه ، وقال : « لا جواب عنه ». وكذا القاضي عضد الدين في شرح مختصر المنتهى ١ : ١٤٥.