والجواب : أنّ الصدق والكذب من الأعراض الذاتيّة للخبر لا من أنواعه ؛ فإنّ الصدق هو المطابقة ، والكذب اللامطابقة ، أي مطابقة الخبر وعدم مطابقته ؛ لأنّهما لمّا كانا من الأعراض الذاتيّة له فلا يعرضان لغيره ، وتعريف الشيء بالعوارض الذاتيّة صحيح غير مستلزم للدور ؛ لأنّ معرفة العرض الذاتي لا تتوقّف على معروضه ، ومجرّد ذكر المعروض في تعريف العرض الذاتي لما ذكر ـ بعد القطع بخروجه عن حقيقته وذاتيّاته ـ لا يصحّح التوقّف. وهذا كما يقال : الأبيض جسم له الكيفيّة الخاصّة ، مع أنّ الجسم ليس من ذاتيّات الأبيض ، فذكره لأجل أنّ البياض من عوارضه اللازمة.
هذا ، وربما قيل : إنّ الصدق المأخوذ في تعريف الخبر هو المعنى المصدري ، وما عرّف بالخبر هو المشتقّ ـ أي الصادق ـ فلا دور (١).
وفيه تأمّل ؛ لأنّ تعريف الصادق بالخبر المطابق مستلزم لتعريف الصدق بموافقة الخبر للمخبر به ، أو بالإخبار عن الشيء على ما هو عليه.
ثمّ المراد من كونه محتملا للصدق والكذب أن يكون محتملا لهما من حيث هو ، أي نظرا إلى مفهومه الظاهر مع قطع النظر عن الامور الخارجة ، فلا يرد النقض بكلام يكون صادقا أو كاذبا قطعا. وبمثل قولنا : « الإنسان حيوان ناطق » إذا قصد به التحديد ؛ لأنّ المطلوب منه التصوّر لا التصديق بثبوت الحدّ للمحدود ، فلا يجري فيه الصدق والكذب.
ومن هذا القبيل ما لو قيل : كلامي كاذب في هذه الساعة ، وأراد منه هذا الكلام ؛ فإنّه لا يحتمل الصدق أو الكذب ؛ لأنّ صدقه مستلزم لكذبه ، وبالعكس ، فلا يكون خبرا ، بل إنشاء. والسرّ أنّ الصدق والكذب إنّما يعرضان لما كان له خارج يتصوّر بينهما المطابقة وعدمها ، وهنا لم يتحقّق ذلك.
نعم ، لو ابقي هذا الكلام على ظاهره واريد غيره كان خبرا.
واورد عليهما (٢) أيضا : بأنّه إن عطف بين الصدق والكذب بالواو ، لزم أن يكون كلّ
__________________
(١) قاله التفتازاني في المطوّل : ٣٦ في أحوال الإسناد الخبري.
(٢) أي على التعريفين للخبر.