واحتجّوا عليه : بأنّ هذه الصيغة قد تصدر عن الساهي والمجنون والنائم وأمثالهم ممّن لا قصد له إلى شيء أصلا ، وقد تصدر عمّن يقصد بها غير الخبر مجازا ، كقوله تعالى : ( وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ )(١) ، وقوله : ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ )(٢) ، ولا شكّ أنّ الصيغة في الصورتين ليست خبرا ، وليس ذلك إلاّ لعدم القصد إلى الخبريّة ، فصيغة الخبر لا تحمل عليه ما لم يتحقّق مرجّح القصد (٣).
وذهب الأكثر إلى عدم الاحتياج إلى القصد ، وهو الحقّ ؛ لأنّ ما وضع للخبر هو الصيغة فقط من دون اعتبار القصد ، فالوضع مرجّح لا يفتقر إلى غيره ، فعند الإطلاق يجب حملها عليه.
وصدورها عن الساهي وأمثاله لا يخرجها عن الخبريّة لغة ، إلاّ أنّه لا يترتّب عليها فائدة الخبر ؛ لأنّها موقوفة على صدورها عن عاقل. وليس هذا خاصّا بالخبر ، بل كلّ كلام حكمه كذلك.
واستعمالها في بعض الأحيان في غير الخبر مجازا لا يدلّ على اعتبار القصد ، بل كون الاستعمال مجازيّا حينئذ دليل على عدم اعتباره.
وبالجملة ، صيغة الخبر وحدها حقيقة فيه ، وصيغة الإنشاء حقيقة فيه. وعند الإطلاق يجب حمل كلّ واحد منهما على معناه الحقيقي.
ولمّا كان بين الخبر والإنشاء مناسبة ، يصحّ أن يطلق ما وضع لأحدهما على الآخر مجازا.
ومن هذا القبيل استعمال صيغ العقود ، كـ « بعت » و « أنكحت » و « طلّقت » وأمثالها في الإنشاء ؛ فإنّها في اللغة أخبار ، إلاّ أنّ الشرع استعملها إنشاء ؛ لأنّه يقصد منها حدوث الحكم وهي موجدة له عند التّلفظ ، وهذا معنى الإنشاء.
والحقّ : أنّ هذا الاستعمال من الشرع في أوّل الأمر إنّما كان مجازا لأجل المناسبة ؛ لعدم ثبوت النقل ، وهل صار هذا الاستعمال غالبا بحيث يتبادر عنها معنى الإنشاء حتّى تكون حقيقة فيه؟
__________________
(١) المائدة (٥) : ٤٥.
(٢) البقرة (٢) : ١٩٧.
(٣) راجع : الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٤٧٨ ، والعدّة في أصول الفقه ١ : ٦٤ ، والمحصول ٤ : ٢٢٣.