قلت : أمّا على التقدير الأوّل ، فإنّا لا نسلّم أنّ كلّ خبر يصحّ أن يراد منه الإنشاء. سلّمناه ولكن لا نسلّم جوازه في صيغ العقود ؛ لأنّها متلقّاة من الشرع.
وأمّا على [ التقدير ] الثاني ، فإنّ المراد من الإنشاء غير الخبر ـ أي ما ليس لنسبته خارج ـ ، وهذا مفهوم كلّي له أفراد مختلفة بعضها إحداث الفعل في الحال ، وبعضها إحداثه في الاستقبال ، وبعضها طلب الفعل ، وبعضها معان أخر ، ووقوع العقد بواحد منها للمناسبة لا يستلزم وقوعه بغيره ممّا ينافيه.
الثالث : الحقّ ـ كما أشرنا إليه (١) ـ أنّ صيغ العقود إذا قصد بها حدوث الحكم تكون إنشاء ؛ لصدق حدّ الإنشاء عليها ، وعدم صدق الخبر عليها ؛ ولأنّها لمّا كانت صيغ الماضي ، فلو كانت أخبارا (٢) لبقيت على ما كانت عليه من كونها ماضية ؛ لعدم ورود مغيّر حينئذ ، بخلاف ما لو كانت إنشاء. وحينئذ لم تقبل التعليق ؛ لأنّه يتصوّر فيما لم يقع بعد ، مع أنّها قابلة له إجماعا.
وخالف بعض الناس وقال : إنّها أخبار (٣) ؛ محتجّا بأنّ الخبر إمّا أن يخبر عمّا في الخارج ، أو عمّا في الذهن ، والصيغ المذكورة من الثاني. وحينئذ يصدق عليها حدّ الخبر دون الإنشاء ، وتبقى على ما كانت عليه من كونها ماضية ، ولم تقبل التعليق ، بل القابل له حقيقة ما في الذهن ، واللفظ إخبار عنه ، فكأنّه قال : ثبت في ذهني تعليق الطلاق (٤).
ولا يخفى أنّه لو بني الأمر على تعميم الخبر واكتفي فيه بالإخبار عمّا في الذهن ، فات المطابقة وعدمها ، ولم يتحقّق فيه صدق وكذب ؛ لأنّ المطابقة هي موافقة النسبة العقليّة للخارجيّة ، وما في الذهن ليس إلاّ النسبة العقليّة ، فإذا لم يكن له خارج ، لا معنى للمطابقة حينئذ.
__________________
(١) في ص ٢١١.
(٢ و ٣) يجوز بكسر الهمزة أيضا.
(٤) حكاه القرافي عن الحنفيّة في الفروق ١ : ٢٨ و ٢٩ ، والشهيد في القواعد والفوائد ١ : ٢٥٤ ، ذيل قاعدة ٨٣ ، والشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٢٤٥ ، الباب الثامن في الأخبار.