وأمّا على القول بكونه ضروريّا (١) ، فبأنّ الضروريّات قد تختلف لا في حصول القطع وعدمه ؛ فإنّه متحقّق في جميعها ، بل في سرعة الانتقال وأمثاله (٢) ، والفرق هنا لذلك.
ومنها : أنّه يجوز أن يجتمع جمع كثير يتحقّق به التواتر على خبر كاذب ؛ لاعتيادهم الكذب ، كما نشاهد من كثير الناس ، أو لخوف من سلطان وأمثاله ، أو لدفع فساد عن أنفسهم ، أو لطمع دنيويّ أو دينيّ ، كما وضع كثير من الزهّاد أحاديث دالّة على فضائل الأوقات ؛ لحمل الناس على العبادة. أو للالتباس عليه إمّا لغلط البصر ، أو لعروض بعض الحالات ، كالفكر والخوف الشديدين ؛ فإنّ الإنسان قد يرى في مثل هذين الحالين صورا لا تحقّق لها في الخارج. أو لاشتباه حالة باخرى ، كالسكتة بالموت ، أو ذات باخرى. وهذا جائز عقلا ؛ لأنّ الله يقدر على خلق مثل زيد في جميع مشخّصاته ، ونقلا ؛ لأنّ المسيح شبّه بغيره (٣) ، وجبرئيل تصوّر بصورة دحية الكلبي (٤) ، وتشكّلت الملائكة يوم بدر بأشكال بني آدم (٥) ، وأمثال ما ذكر كثيرة.
والجواب : أنّ هذه احتمالات نادرة لا يلتفت إليها العقول السليمة ، مع أنّ موضع النزاع اجتماع عدد التواتر على إحداها (٦) ، وهذا أمر لا يكون.
على أنّا نقول : حصول العلم عقيب الخبر المتواتر ضروري ، فهذا تشكيك في مقابله ، فإن كانت (٧) صالحة للإيراد ، فإنّما ترد على من رام إثبات حصول العلم عن المتواتر بالدليل.
ومنها : أنّه لو حصل العلم من الخبر المتواتر لزم حصوله ممّا ادّعى اليهود والنصارى من تواتر النقل من موسى وعيسى بأنّه لا نبيّ بعده (٨).
__________________
(١) نسبه السيّد المرتضى إلى أبي علي وأبي هاشم ومن تبعهما في الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٤٨٥ ، ولكنّ ابن الحاجب نسبه إلى الجمهور في المصدرين.
(٢) كذا في النسختين. والأولى : « عدمها » أو « أمثالها ».
(٣) حكاه الفخر الرازي في المحصول ٤ : ٢٤٦.
(٤) المصدر : ٢٤٧.
(٥) المصدر : ٢٤٨.
(٦) أي الاحتمالات. والمراد أنّ اجتماع عدد التواتر على اعتياد الكذب ، أو الخوف من السلطان ، أو الدفع أمر لا يكون.
(٧) الضمير المستتر راجع إلى الاحتمالات.
(٨) حكاه الشيخ حسن في معالم الدين : ١٨٤.