ذكرنا فيما تقدّم (١) ، فيجب العمل بالظنّ ، وإلاّ يلزم تعطيل الأحكام ، وسدّ أبواب الحلال والحرام. ولا شكّ أنّ الظنّ الحاصل من أكثر أخبار الآحاد أقوى من الظنّ الحاصل من سائر الأدلّة ، مع أنّ أكثر الأحكام ممّا لا يمكن استنباطه إلاّ من الأخبار دون غيرها من الأدلّة ، فالعمل بها متعيّن.
ومنها : اشتهار العمل به بين أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والتابعين من غير نكير ، وقد عملوا به في الوقائع الكثيرة ، كما ذكر في كتب السير والاصول ، ولم ينكر عليهم أحد ، وإلاّ لنقل (٢).
ومنها : ما تواتر أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان (٣) يرسل الآحاد إلى القبائل لتبليغ الأحكام ، وكان العمل بقولهم لازما عليهم ، ولا يتمّ هذا بدون حجّيّة أخبار الآحاد (٤).
ومنها : اشتهار العمل به بين أصحاب الأئمّة عليهمالسلام ؛ فإنّه شاع وذاع منهم وممّن يليهم غاية الاهتمام بروايته والعمل به ، والاعتناء في تدوينه وضبطه ، والسعي في ترويجه ونشره ، والبحث عن حال رواته ، والفحص عن الثقة وغيره ، وقد كانت هذه طريقة مستمرّة بين أصحاب جميع الأئمّة عليهمالسلام ومقاربيهم ، والتتبّع الصادق يشهد بأنّ إنكار الحجّيّة إنّما نشأ (٥) من المرتضى رضى الله عنه وأتباعه ، ولذا قال العلاّمة :
|
أمّا الإماميّة ، فالأخباريّون منهم ... لم يعوّلوا في اصول الدين وفروعه إلاّ على أخبار الآحاد المرويّة عن الأئمّة عليهمالسلام. والاصوليّون منهم ـ كأبي جعفر الطوسي وغيره ـ وافقوا على قبول خبر الواحد ، ولم ينكره سوى المرتضى وأتباعه ؛ لشبهة (٦) حصلت لهم (٧). انتهى. |
ويدلّ عليه وجود الاختلاف بين الأصحاب بحسب اختلاف الأخبار ، ولو لم تكن حجّة
__________________
(١) في ص ٣١.
(٢) راجع : معارج الاصول : ١٤٤ ، ومنتهى الوصول لابن الحاجب : ٧٤.
(٣) لم يرد في « ب ».
(٤) راجع : معارج الاصول : ١٤٤ ، ومنتهى الوصول لابن الحاجب : ٧٤.
(٥) في « ب » : « ينشأ ».
(٦) والشبهة هي أنّ الإماميّة حين بحثهم مع العامّة لمّا لم يتمكّنوا من التصريح بكذبهم وردّ أخبارهم ، احتالوا في ذلك بالقول بأنّ خبر الواحد ليس بحجّة ، فزعم السيّد وأتباعه أنّ ذلك مذهب لهم.
(٧) نهاية الوصول إلى علم الأصول ٣ : ٤٠٣.