وإنّما اكتفي بالبيّنة ؛ لأنّها تقوم مقامه شرعا ، فغير ذلك ساقط عن الاعتبار إلاّ بدليل.
ومنها : أنّ التعديل من شروط ثبوت الأحكام الشرعيّة ، والتصفّح يعطي بأنّ العلم بحصول أكثر شروطها يتوقّف على شهادة العدلين وإن اكتفي في المشروط بالواحد.
احتجّ الخصم بوجهين :
أحدهما : أنّه لو لم يكتف به في التعديل يلزم مزيّة الفرع على الأصل ؛ لأنّه فرع الرواية ويكتفى فيها بالواحد (١).
واجيب بالتزامه ، ولا منع فيه ، ولا بدّ لنفيه من دليل ، مع أنّ مزيّة الفرع على الأصل ثابتة في تعديل الشاهد ، فإنّ بعض الحقوق يثبت بشهادة الواحد ، بل بالمرأة الواحدة في بعض الموادّ ، كربع ميراث المستهلّ ، وربع الوصيّة ، مع أنّ تعديل كلّ منهما يتوقّف على عدلين (٢).
واورد عليه بأنّ البديهة حاكمة بأنّ الاحتياط في الشرط لا يزيد على مشروطه ، ومواضع التخلّف في الشهادة للنصّ (٣).
والجواب عن هذا الإيراد وأصل الحجّة يظهر من الدليل الأوّل والثالث.
ومنه يظهر أنّ مرجع حجّتهم إلى القياس الذي يكون الحكم في الأصل أقوى منه في الفرع دون العكس حتّى يثبت الحكم من باب الأولويّة ، ومثل هذا القياس لم يقل بحجّيّته أحد من العامّة فضلا عن الخاصّة ؛ لأنّهم يشترطون في حجّيّته المساواة بين الفرع والأصل في الحكم ، وهنا ليس كذلك.
ثمّ الأكثر على أنّ الفرع كما لا يزيد على أصله ، فكذلك لا ينقص عنه أيضا ، بل يلزم المساواة بينهما ، فيثبت (٤) كلّ واحد من الجرح والتعديل بقول العدل الواحد في الرواية ؛ للاكتفاء به فيها ، وبقول العدلين في الشهادة ؛ للزومهما فيها ، فتعديل كلّ واحد كأصله من غير نقصان ، ولا الافتقار (٥) إلى زيادة.
__________________
(١) حكاه العلاّمة في المصدر.
(٢) التزم به أبو سعيد جمال الدين في منتفى الجمان ١ : ١٦.
(٣) تقدّم في ص ٢٧٩.
(٤) في « أ » : « فثبت ».
(٥) كذا في النسختين. والأولى : « ولا افتقار ».